والله لا يستحيي من بيان الحق، وأطلق استحياء الله وأراد منه عدم السكوت عن بيانه، فسمّي السكوت عليه استحياءً على (طريق المشاكلة) لوقوعه بجانب استحياء الرسول على حد قول القائل:
قالوا اقترحْ شيئاً نُجد لك طبخه ... قلتُ اطبخوا لي جُبّة وقميصاً
اللطيفة السادسة: قوله تعالى: {ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} فيه إشارة دقيقة إلى ما بين العين والقلب من صلة وثيقة، فالعين طريق الهوى والنظرة بريد الشهوة، فإذا لم تر العين لا يشتهي القلب، وكما قال بعض الأدباء:
وما الحبّ إلاّ نظرة إثر نظرةٍ ... تزيد نمواً إن تزدْه لَجَاجاً
فالقلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذٍ أظهر.
اللطيفة السابعة: قوله تعالى: {إِنَّ ذلكم كَانَ عِندَ الله عَظِيماً} الإشارة في قوله {ذلكم} يعود إلى ما ذُكر من إيذائه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، ونكاح أزواجه من بعده، وقد جاء التعبير بلفظ {ذلكم} ولم يأت بلفظ (هذا) للتهويل والتعظيم.
قال أبو السعود:«وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلته في الشرّ والفساد. وقوله:{كَانَ عِندَ الله عَظِيماً} أي أمراً عظيماً، وخطباً هائلاً، لا يُقادر قدرُه، وفيه من تعظيمه تعالى لشأن رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وإيجاب حرمته حيّاً وميتاً ما لا يخفى، ولذلك بالغ تعالى في الوعيد» .
وجوه القراءات
أولاً: قرأ الجمهور {غيرَ ناظرين} بفتح راء (غيرَ) نصباً على الحال، وقرأ (ابن أبي عبلة) بالكسر صفة لطعام، قال الزمخشري وليس بالوجه لأنه جرى على غير من هوَ له، فمن حق ضمير ما هو له أن يبرز إلى اللفظ