أنه لم يكن على علم بمكان نزولها. فقد كان يعتقد أنها لن تتعدى الضرب من البحر شأنها شأن الحملات الأوربية السابقة. وما دام قد حصن الواجهة البحرية فانه لا خوف من عواقب الحملة. ومن جهة أخرى كان لا يزال على الاعتقاد بأن الفرنسيين لن يتخلوا عن فكرة التفاوض رغم استعداداتهم للحملة، وكان يساعده على اعتقاده كثرة الرسل والبعثات التي جاءت طالبة التفاوض منذ إعلان الحصار. ولعل الباشا كان يعتمد أيضا على مساعدات بريطانيا التي كان قنصلها، بالإضافة إلى قنصل نابولي ; يقوم بنشاط ملحوظ منذ عام ١٨٢٧. وقد كانت مصالح بريطانيا تقتضي استمرار النظام القائم في الجزائر كما كانت مصالحها تقتضي ذلك في المشرق. وحين كتب محمد علي ناصحا الباشا رد عليه هذا بأن يبيع الفول للمسيحيين بدل إعطائه النصائح بدون جدوى. وقد كان حسين باشا قد بعث برسله للتجسس على أخبار الفرنسيين في إيطاليا وأسبانيا ومرسيليا وطولو ن وباريس وجبل طارق ومالطة (١) ; وحين جاءته هذه الرسل تنذره بأن فرنسا تستعد للقيام بحملة اعقد أن ذلك لن يتعدى غارة بحرية ستتفشل لا محالة.
ولكن حين بلغ حسين باشا أن جيشا فرنسيا قد نزل فعلا في سيدي فرج وإنه في طريقه لضرب العاصمة من البر أخذه الخوف، فجنوده الانكشاريون الذين كانوا يشكلون جيشه النظامي لم يكونوا يتجاوزون ٦٠٠٠ رجل، وهي قوة صغيرة لا تكفي حتى للإبقاء على الأمن والنظام محليا. وأمام هذا الوضع رفع الجزائريون رؤوسهم التي كانت مطأطأة وبدأوا يعتدون على الجنود الأتراك في الليل ويلوذون بالفرار. وحين اثتكى الجنود إلى الباشا نصحهم بغض النظر. وحاول حسين أن يتقرب من الأهالي أيضا
(١) أرسل أيضا رسولا إلى باشا طرابلس. ويبدو أن هذا كان صديقا لحسين ولذك رفض الاستماع إلى كل من محمد علي ومبعوث فرنسا. إن كثرة الجواسيس تجعلنا لا نؤيد الفكرة القائلة أن حسين باشا لم يكن على علم بمكان نزول الحملة.