بل هو احتلال (العصر الحديث)(للعصر الوسيط) أو احتلال التقدم للتخلف.
ورغم أن الجزائر قد عانت الكثير من هذا الاحتلال الذي كاد أن يفقدها شخصيتها، ويأتي على حضارتها فإنها قد تعلمت منه الكثير أيضا. فالصراع الطويل بين الوطنية والاستعمار قد أدى في النهاية إلى ظهور نماذج (العصر الحديث) بالمعنى الأوربي. فالمقاومة كانت تدعو إلى قيام الكيان السياسي، والعلاقة بين المستعمر والمستعمر أدت إلى تحول اجتماعي واقتصادي عميق، كما أدت إلى ظهور الوعي الفكري والإيمان بالتقدم العلمي ومجاراة العالم في التقنيات، ولذلك فإنه يجوز في نظرنا، مع التسامح والتجوز طبعا، أن نطلق على سنة ١٨٣٠ بداية العصر الحديث بالنسبة للجزائر على الأقل، ويمكن أن يقاس على ذلك في جميع أنحاء الوطن العربي، فالتاريخ إذن يجب أن يخضع لعملية التحول الداخلي في المجتمع الذي نؤرخ له إذ لا يمكن تطبيق ظاهرة خارجية عنه عليه، تقليدا وعرفا، لا حقيقة وواقعا.
والكتاب الذي بين يدي القارىء كان قد نشر سنة ١٩٧٠ بعنوان (تاريخ الجزائر الحديث - بداية الاحتلال) وقد رأيت أن هذا العنوان أكبر من حجمه، كما أنه لا يدرس جميع مدلول العنوان لذلك رأيت أن أعيد نشره بعنوان (محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث - بداية الاحتلال) مستهدفا، كما لاحظته في مقدمة الطبعة الأولى، دراسة الفترة الانتقالية من العهد العثماني إلى العهد الفرنسي. والحقيقة أن محتوى الكتاب لا يجيب على كل الأسئلة المتعلقة بجوانب هذه الفترة. وقد فكرت في توسيعه وتمديد زمانه إلى حوالي ١٨٤٨، ولكن خطتي في تناول الحركة الوطنية الجزائرية جعلتني أتوقف عند ما كنت قد كتبته فيه. ذلك أن هذه الخطة تقتضي أن يكون الجزء الأول من الحركة الوطنية الجزائرية من بداية الاحتلال إلى سنة ١٩٠٠، وقد اقترح علي بعضهم أن أجعل هذا الكتاب هو الجزء الأول من سلسلة