للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما لا يصح حمل الظل على معنى الحماية والكرامة والرعاية، لأن هذه تحصل في الدنيا أيضًا، والحديث قد جاء تقييده بيوم القيامة، كما في رواية للبخاري: (سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله) (١).

قال ابن حجر رحمهُ اللهُ: "إذا كان المراد: ظل العرش، استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس، فهو أرجح، وبه جزم القرطبي.

ويؤيده أيضًا تقييد ذلك بيوم القيامة، كما صرح به ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر، وهو عند المصنف في كتاب الحدود.

وبهذا يندفع قول من قال: المراد ظل طوبى أو ظل الجنة، لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة، ثم إن ذلك مشترك لجميع من يدخلها، والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة، فيرجح أن المراد ظل العرش" (٢).

وأما القول الثالث، وهو أن المراد بالظل في الحديث: ظل يخلقه الله تعالى، فقول يفتقر إلى دليل يدل عليه، لأنه غيب، والغيب سبيله الوقوف عند حدود ما ورد.

وأما القول بأنه يلزم من حمل الظل على ظل الله تعالى، أن يكون الله تحت الشمس، فقول غريب جدًا، لأنه دخول في الكيفية، فلو لم ترد الرواية الأخرى: (في ظل عرشه)؛ لتعين حمل الحديث على ظاهره، دون الخوض في كيفية ذلك، والله أعلم.

وكذا القول: بأن رواية: (في ظل عرشه) يلزم منها أن يكون العرش تحت الشمس، مع أنه أكبر منها، كل ذلك دخول في الكيفية، ومذهب أهل السنة والجماعة -كما هو معلوم- تفويض الكيفية وعدم الخوض فيها، علمًا


(١) صحيح البخاري (٦/ ٢٤٩٦) ح (٦٤٢١).
(٢) فتح الباري (٢/ ١٤٤).

<<  <   >  >>