والظاهر أنه يقصد بالحجاب الظلمانى كل ما كان مادياً أو متصلاً بالمادة من طريق مّا؛ وبالحجاب النورانى كل ما كان عقلياً. ولذلك يدخل تحت المحجوبين بالحجب الظلمانية البحتة الملاحدة والدهرية الذين استولى عليهم سلطان الحس فأنكروا الأديان والبعث، وفسروا وجود العالم على أساس مادى بحت؛ كما يدخل معهم المحجوبون بنفوسهم الكثيفة الكدرة وشهواتهم وملاذهم مما جعلهم يتخذون الهوى إلها من دون الله ويعتبرون اللذة البهيمية ونيل الشهوات الغاية القصوى من الحياة، فإذا ارتفعوا عن هذا الحضيض درجة اعتبروا التسلط والغلبة والاستيلاء، أو ذيوع الصيت واتساع الجاه غايتهم. هذه كلها من الحجب الظلمانية البحتة.
أما المحجوبون بالنور المشوب بظلمة فيدخل فيهم كل من غلب على تفكيره الدينى نزعة حسية، أو خيالية تحول بينه وبين رؤية الحقيقة خالصة. من هؤلاء عبدة الأوثان الذين يفكرون في صفات الألوهية ولكنهم يخلعونها على المخلوقات المادية المحسوسة. ومنهم من يرتفع بإلهه عن معنى الحصر والتقييد في صورة معينة ويعبد الجمال المطلق في أي صورة من صوره: الجمال المطبوع لا المصنوع. ومنهم عبدة النار الذين يرون فيها معنى القهر والسلطان والقوة والبهاء، وهى كلها من صفات الله وأنواره، ولكنهم يصفون بها مخلوقاً مادياً محسوساً. ومنهم عبدة الكواكب كالشّعَرى، والمشترى والشمس. أو عبدة النور المطلق وهم ثنوية الفرس. هؤلاء جميعاً محجوبون بظلمة ممزوجة بنور؛ أما الظلمة فراجعة إلى ماديتهم في تصورهم للألوهية، وأما النور فراجع إلى الصفات الإلهية التى يخلعونها على معبودهم المادى.
ومن هذه الطائفة أيضاً من غلب على تفكيرهم ظلمة الخيال كالمجسمة والكرامية الذين قالوا بوجود إله متجسم جالس على العرش؛ أو الذين