يثبتون لله الجهة - وجهة فوق بوجه خاص. وهنالك صنف ثالث محجوب بالأنوار الإلهية مقرونة بأدلة عقلية فاسدة؛ وهؤلاء هم الصفاتية الذين يثبتون لله صفات كالكلام والسمع والبصر ونحوها، ويقيسونها على الصفات الإنسانية، فيقولون إن لله كلاماً هو صوت، أو هو حديث نفس مثل كلامنا النفسى.
أما المحجوبون بالأنوار المحضة فمنهم الفلاسفة الذين تحاشوا إطلاق اسم الكلام والسمع والبصر والإرادة على الله على نحو إطلاقها على البشر، ونزهوه عن هذه الصفات فلم يعرّفوه بها بل عرفوه بالإضافة إلى أثره في الكون بأن قالوا "إنه محرك السماوات". ومنهم من أدركوا أن وصف الله بأنه محرك السماوات يقتضى كثرة في ذاته لتعدد الأفلاك وتنوعها، فنسبوا حركة الأفلاك إلى عقول (ملائكة) كل منها خاص بفلكه، ولكنها كلها تتحرك بحركة الفلك الأقصى الذي يحركه الله تحريكاً مباشراً.
ولكن من هذه الطبقة من المحجوبين من ترقوا عن هؤلاء وزعموا أن تحريك الأفلاك بطريق المباشرة ينبغى ألاَّ يكون من فعل الله، بل من فعل عقل أو ملك يقوم بهذا الفعل طاعة لله وعبادة. وعلى زعمهم هذا يصح أن يسمى الله باسم "المطاع" من جهة أنه يحرك الكل بطريق الأمر لا بطريق المباشرة. هذه هى أصناف المحجوبين التى عددها الغزالى، وهى تشمل - على نحو ما ذكرنا - الوثنيين والدهريين والماديين وغيرهم من الملاحدة، كما تشمل المجسمة والمشبهة والصفاتية من المتكلمين وتشمل الفلاسفة الذين أخذوا بمذهب أرسطو أو بمذهب أرسطو ممزوجاً بمذهب أفلوطين.
أما الرأى الذى يرتضيه الغزالى نفسه، وهو الرأى الذى يقول به "الواصلون" كما يسميهم، فهو أن "المطاع" على الحقيقة هو "الأمر الإلهى" الذى ورد ذكره في القرآن في قوله تعالى: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} وقوله {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} . فهو ليس ملكاً من الملائكة (بالمعنى الدينى) ولا هو العقل الأول الذى قال به فلاسفة الأفلاطونية الحديثة، ولا هو الله نفسه، ولا هو شىء من العالم، بل هو