هذا وقد ذهب الأستاذ "مونتجومرى وات" في مقال له نشر في المجلة الآسيوية الملكية سنة ١٩٥٤ إلى أن الفصل الثالث من مشكاة الأنوار فصل منتحل، وأن مؤلفه كان أحد الكتاب المتأثرين بفلسفة ابن سينا في إثبات وحدة الأول على نحو ما فسرها ابن سينا في كتاب النجاة؛ وذلك على أساس أن الإسلام السنى كان يفهم "التوحيد" دائماً بمعنى نفى الشريك لله لا بمعنى الوحدة الذاتية، وأن هذا المعنى الأخير هو ما ذهب إليه أصحاب الأفلاطونية الحديثة الذين نفوا كل معنى من معانى التعدد في ذات الواحد: وبذلك نفوا الصفات الإلهية. وهذه كلها مقدمات لا أرى فيها ما يبرر استنتاج الأستاذ مونتجومرى وات أن فصل الحجب في جملته منحول ومقحم على رسالة المشكاة، لأن الغزالى لم ينكر صفات الله في هذا الفصل وإنما أنكر كيفية إطلاقها على الله عند مختلف فرق المتكلمين والفلاسفة. فهو لم ينكر أن الله عالم قادر مريد متكلم.. الخ، ولكنه أنكر إطلاق هذه الصفات على الله على النحو الذى يطلقها عليه المشبهة. ولم ينكر أن الله نور، ولكنه أنكر أن يطلق هذا الوصف على معبود آخر كالشمس أو القمر أو الكواكب الأخرى؛ ولم ينكر أن الله قهار ولكنه أنكر أن تطلق هذه الصفة الإلهية على موجود مادى كالنار عند من يعبدونها.
ولم يكن هم الغزالى وهو يتكلم عن تنزيه الله أن ينفى الشريك للبارى فقط، بل كان همه أيضاً أن يقرر الوحدة الذاتية لله. ومشكلة الصفات عند متكلمى الإسلام وفلاسفتهم هى مشكلة الوحدة الذاتية الإلهية.
ثم إن "وات" لم ينتبه إلى أن الغزالى في هذا الفصل حاول أن يحل مشكلة الصفات على أساس صوفي بعد أن بحثها من الوجهة الكلامية والفلسفية. "فالواصلون" في اصطلاح الغزالى هم الصوفية أصحاب الذوق الذين يدركون الله إدراكاً مباشراً، ويرونه مقدساً ومنزهاً عن جميع ما يخطر ببالنا