للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

خاتمة

لعلك تشتهى أن تعرف وجه إضافة نوره إلى السماوات والأرض؛ بل وجه كونه في ذاته نور السماوات والأرض، فلا ينبغى أن يخفى ذلك عليك بعد أن عرفت أنه النور ولا نور سواه وأنه كل الأنوار، وأنه النور الكلى، لأن النور عبارة عما ينكشف به الأشياء، وأعلى منه ما ينكشف به وله، وأعلى منه ما ينكشف به وله ومنه، وأن الحقيقى منه ما ينكشف به وله ومنه وليس فوقه نور منه اقتباسه واستمداده: بل ذلك له في ذاته من ذاته لذاته لا من غيره. ثم عرفت أن هذا لن يتصف به إلا النور الأول. ثم عرفت أن السماوات والأرض مشحونة نوراً من طبقتى النور: أعنى المنسوب إلى البصر والبصيرة: أى إلى الحس والعقل. أما البصرى فما نشاهده في السماوات من الكواكب والشمس والقمر، وما نشاهده في الأرض من الأشعة المنبسطة على (و ٩ـ ا) كل ما على الأرض حتى ظهرت به الألوان المختلفة خصوصاً في الربيع، وعلى كل حال في الحيوانات والمعادن وأصناف الموجودات. ولولاها لم يكن للألوان ظهور، بل وجود. ثم سائر ما يظهر للحس من الأشكال والمقادير يدرَك تبعاً للألوان ولا يتصور إدراكها إلا بواسطتها.

وأما الأنوار العقلية المعنوية فالعالم الأعلى مشحون بها، وهى جواهر الملائكة، والعالم الأسفل مشحون بها وهى الحياة الحيوانية ثم الإنسانية. وبالنور الإنسانى السفلى ظهر نظام عالم السفل كما بالنور الملكى ظهر نظام عالم العلو. وهو المعنىّ بقوله {أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض واستعمركم فِيهَا} وقال تعالى: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض} وقال: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الأرض} ، وقال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً} .

<<  <   >  >>