الألفاظ ربما تحير عند كثرة الألفاظ تخيّل كثرة المعانى. والذى تنكشف له الحقائق (و ١١ـ ب) يجعل المعانى أصلاً والألفاظ تابعاً. وأمر الضعيف بالعكس؛ إذ يطلب الحقائق من الألفاظ. وإلى الفريقين الإشارة بقوله تعالى:{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْهِهِ أهدى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ؟.
وإذ قد عرفت معنى العالمَين فاعلم أن العالم الملكوتى عالم غيب؛ إذ هو غائب عن الأكثرين. والعالم الحسى عالم شهادة إذ يشهده الكافة. والعالم الحسى مَرْقاة إلى العقل. فلو لم يكن بينهما اتصال ومناسبة لانسدَّ طريق الترقي إليه. ولو تعذر ذلك لتعذر السفر إلى حضرة الربوبية والقرب من الله تعالى. فلم يقرب من الله تعالى أحد ما لم يطأ بحبوحة حظيرة القدس. والعالم المرتفع عن إدراك الحس والخيال هو الذى نعنيه بعالم القدس. فإذا اعتبرنا جملته بحيث لا يخرج منه شىء ولا يدخل فيه ما هو غريب منه سميناه حظيرة القدس. وربما سمينا الروح البشرى الذى هو مجرى لوائح القدس "الوادى المقدس". ثم هذه الحظيرة فيها حظائر بعضها أشد إمعاناً في معانى القدس. ولكن لفظ الحظيرة يحيط بجميع طبقاتها. فلا تظنن أن هذه الألفاظ طامات غير معقولة عند أرباب البصائر.