واشتغالى الآن بشرح كل لفظ مع ذكره يصدنى عن المقصد. فعليك التشمير لفهم هذه الألفاظ. فأرجع إلى الغرض وأقول:
لما كان عالم الشهادة مرقاة إلى عالم الملكوت، وكان سلوك الصراط المستقيم عبارة عن هذا الترقي؛ وقد يعبر عنه بالدين وبمنازل الهدى - فلو لم يكن بينهما مناسبة واتصال لما تصور الترقي من أحدهما إلى الآخر - جعلت الرحمة الإلهية عالم الشهادة على موازنة عالم الملكوت: فما من شىء من هذا العالم إلا وهو مثال لشىء من ذلك العالم. وربما كان الشىء الواحد مثالاً لأشياء من عالم الملكوت. وربما كان للشىء الواحد من الملكوت (و ١٢ـ ا) أمثلة كثيرة من عالم الشهادة. وإنما يكون مثالاً إذا ماثله نوعاً من المماثلة، وطابقه نوعاً من المطابقة. وإحصاء تلك الأمثلة يستدعى استقصاء جميع موجودات العالِمين بأسرها، ولن تفى به القوة البشرية وما اتسع لفهمه القوة البشرية. فلا تفى بشرحه الأعمار القصيرة. فغايتى أن أعرّفك منها أنموذجاً لتستدل باليسير منها على الكثير، وينفتح لك باب الاستعبار بهذا النمط من الأسرار فأقول:
إن كان في عالم الملكوت جواهر نورانية شريفة عالية يعبّر عنها بالملائكة، منها تفيض الأنوار على الأرواح البشرية، ولأجلها قد تسمى أرباباً، ويكون الله تعالى رب الأرباب لذلك، ويكون لها مراتب في نورانيتها متفاوتة، فبالحرِىّ أن يكون مثالها من عالم الشهادة الشمس والقمر والكواكب. والسالك للطريق أولاً ينتهى إلى ما درجته درجة الكواكب فيتضح له إشراق نوره وينكشف له أن العالم الأسفل بأسره تحت سلطانه وتحت إشراق نوره؛ ويتضح له من جماله وعلو درجته ما يبادر فيقول:"هذا ربى"