واجباً عن صورة الكلب، فبأن يجب حفظ بيت القلب - وهو مقر الجوهر الحقيقى الخاص - عن شر الكلبية أولى. فأنا أجمع بين الظاهر والسر جميعاً، فهذا هو الكامل: وهو المعنىّ بقولهم "الكامل من لا يطفىء نور معرفته نور ورعه". ولذلك ترى الكامل لا تسمح نفسه بترك حد من حدود الشرع مع كمال البصيرة. وهذه مَغْلطة منها وقع بعض السالكين إلى الإباحة وطى بساط الأحكام ظاهراً، حتى أنه ربما ترك أحدهم الصلاة وزعم أنه دائماً في الصلاة بسره. وهذا سوى مغلطة الحمقى من الإباحية الذين مأخذهم ترَّهات كقول بعضهم "إن الله غنى عن عملنا"، وقول بعضهم إن الباطن مشحون بالخبائث ليس يمكن تزكيته، ولا يطمع في استئصال الغضب والشهوة؛ لظنه أنه مأمور باستئصالهما: وهذه حماقات.
فأما ما ذكرناه فهو كبوة جواد وهفوة سالك حسده الشيطان فدلاَّه بحبْل الغرور. وأرجع إلى حديث النعلين فأقول: ظاهر خلع النعلين منبه على ترك الكونين. فالمثال في الظاهر حق وأداؤه إلى السر الباطن حقيقة. وأهل هذا التنبيه هم الذين بلغوا درجة الزجاجة كما سيأتى معنى الزجاجة؛ لأن الخيال الذى من طينته يتخذ المثال صلب كثيف يحجب الأسرار ويحول بينك وبين الأنوار؛ ولكن إذا صفا حتى صار كالزجاج الصافى غير حائل عن الأنوار، بل صار مع ذلك مؤدياً للأنوار، بل صار مع ذلك حافظاً للأنوار عن الانطفاء بعواصف الرياح. وستأتيك قصة الزجاجة.
فاعلم (و ١٥ـ ا) أن العالم الكثيف الخيالى السفلى صار في حق الأنبياء زجاجة ومشكاة للأنوار ومصفاة للأسرار، ومرقاة إلى العالم الأعلى. وبهذا