بصيرته واستحكم إيمانه، وكثرته ثروته كثرة تزاحم الإيمان لكن لا تقاومه لرجحان قوة الإيمان.
فهذا يعرِّفك كيفية إبصار الأنبياء الصور وكيفية مشاهدتهم المعانى من وراء الصور. والأغلب أن يكون المعنى سابقاً إلى المشاهدة الباطنة (و ١٥ـ ب) ثم يشرق منها على الروح الخيالى فينطبع الخيال بصورة موازنة للمعنى محاكية له. وهذا النمط من الوحى في اليقظة يفتقر إلى التأويل، كما أنه في النوم يفتقر إلى التعبير. والواقع منه في النوم نسبته إلى الخواص النبوية نسبة الواحد إلى ستة وأربعين. والواقع في اليقظة نسبته أعظم من ذلك. وأظن أن نسبته إليه نسبة الواحد إلى الثلاثة. فإن [الذى] انكشف لنا من الخواص النبوية ينحصر شعبها في ثلاثة أجناس، وهذا واحد من تلك الأجناس الثلاثة.
القطب الثانى في بيان مراتب الأرواح البشرية النورانية.
إذ بمعرفتها تعرف أمثلة القرآن.
فالأول منها الروح الحساس، وهو الذى يتلقى ما تورده الحواس الخمس، وكأنه أصل الروح الحيوانى وأوله، إذ به يصير الحيوان حيواناً. وهو موجود للصبي الرضيع.
الثانى الروح الخيالى، وهو الذى يستثبت ما أورده الحواس ويحفظه مخزوناً عنده ليعرضه على الروح العقلى الذى فوقه عند الحاجة إليه. وهذا لا يوجد للصبى الرضيع في بداية نشوئه: ولذلك يولع بالشىء ليأخذه، فإذا غاب عنه ينساه ولا تنازعه نفسه إليه إلى أن يكبر قليلاً فيصير بحيث إذا غُيِّب عنه بكى وطلب [ذلك] لبقاء صورته محفوظة في خياله. وهذا قد يوجد لبعض الحيوانات دون بعض، ولا يوجد للفراش المتهافت على النار لأنه يقصد النار