لشغفه بضياء النهار: فيظن أن السراج كوة مفتوحة إلى موضع الضياء فيلقى نفسه عليه فيتأذى به. ولكنه إذا جاوزه وحصل في الظلمة عاوده مرة بعد مرة. ولو كان له الروح الحافظ المستثبت لما أداه الحس إليه من الألم لما عاوده بعد أن تضرر مرة به. (و ١٦ـ ا) فالكلب إذا ضرب مرة بخشبة، فإذا رأى الخشبة بعد ذلك من بعد هرب.
الثالث الروح العقلى الذى به تدرك المعانى الخارجة عن الحس والخيال، وهو الجوهر الإنسى الخاص، ولا يوجد لا للبهائم ولا للصبيان. ومدركاته المعارف الضرورية الكلية كما ذكرناه عند ترجيح نور العقل على نور العين.
الرابع الروح الفكرى، وهو الذى يأخذ العلوم العقلية المحضة فيوقع بينها تأليفات وازدواجات ويستنتج منها معارف شريفة. ثم إذا استفاد نتيجتين مثلاً، ألف بينهما مرة أخرى واستفاد نتيجة أخرى. ولا يزال يتزايد كذلك إلى غير نهاية.
الخامس الروح القدسى النبوى الذى يختص به الأنبياء وبعض الأولياء، وفيه تتجلى لوائح الغيب وأحكام الآخرة وجملة من معارف ملكوت السماوات والأرض، بل من المعارف الربانية التى يقصر دونها الروح العقلى والفكرى. وإليه الإشارة بقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان ولاكن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ} الآية. فلا يبعد أيها العاكف في عالم العقل أن يكون وراء العقل طور آخر يظهر فيه ما لا يظهر في العقل، كما لا يبعد كون العقل طوراً وراء التمييز