والإحساس تنكشف فيه غرائب وعجائب يقصر عنها الإحساس والتمييز. ولا تجعل أقصى الكمال وقفاً على نفسك. وإن أردت مثالاً مما نشاهده من جملة خواص بعض البشر فانظر إلى ذوق الشعر كيف يختص به قوم من الناس وهو نوع إحساس وإدراك، ويحرم عنه بعضهم حتى لا تتميز عندهم الألحان الموزونة من المنزحفة. وانظر كيف عظمت قوة الذوق في طائفة حتى استخرجوا بها الموسيقى والأغانى والأوتار وصنوف الدستانات (و ١٦ـ ب) التى منها المحزن ومنها المطرب ومنها المنّوم ومنها المضحك ومنها المجنن ومنها القاتل، ومنها الموجب للغشى. وإنما تقوى هذه الآثار فيمن له أصل الذوق. وأما العاطل عن خاصية الذوق فيشارك في سماع الصوت وتضعف فيه هذه الآثار، وهو يتعجب من صاحب الوجد والشغى. ولو اجتمع العقلاء كلهم من أرباب الذوق على تفهيمه معنى الذوق لم يقدروا عليه. فهذا مثال في أمر خسيس لكنه قريب إلى فهمك. فقسْ به الذوق الخاص النبوى واجتهد أن تصير من أهل الذوق بشىء من ذلك الروح: فإن للأولياء منه حظاً وافراً. فإن لم تقدر فاجتهد أن تصير بالأقيسة التى ذكرناها والتنبيهات التى رمزنا إليها من أهل العلم بها. فإن لم تقدر فلا أقل من أن تكون من أهل الإيمان بها: و {يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ مِنكُمْ والذين أُوتُواْ العلم دَرَجَاتٍ} . والعلم فوق الإيمان، والذوق فوق العلم. فالذوق وجدان والعلم قياس. والإيمان قبول مجرد بالتقليد. وحسّن الظن بأهل الوجدان أو بأهل العرفان.
فإذا عرفت هذه الأرواح الخمسة فاعلم أنها بجملتها أنوار لأنها تظهر أصناف الموجودات، والحسى والخيالى منها، وإن كان يشارك البهائم