فقد يتوهم الناظر فيها نظرة عابرة أنها ليست إلا تفسيراً لآية قرآنية خاصة هي آية النور، ولا يدرك أن الغزالى قد لخص في هذا التفسير فلسفة إشراقية كاملة، ونظرية في حقيقة الوجود كما يتصوره. ويتجلى في الرسالة إلى جانب هذا المنهجُ الذى التزمه الغزالى في تأويله للقرآن وتخريجه للمعانى الباطنية فيه، وهو المنهج الذى لا شك في أن ابن عربى قد حاكاه فيه عندما استخلص مذهبه الفلسفى الصوفى كاملاَ من طائفة محدودة من الآيات القرآنية، وإن كان الغزالى قد قصر منهجه التأويلى في الأغلب على الآيات التى يضرب فيها الله الأمثال للناس في حين أن ابن عربى التزم هذا المنهج في تفسيره للقرآن برمته.
ويستوى في عدم العناية بدراسة المشكاة الباحثون العرب والغربيون. أما الباحثون العرب فقد شغلوا أنفسهم بموقف الغزالى من الفلاسفة ورده عليهم؛ أو بالرد عليه في نقده للفلاسفة كما فعل ابن رشد في تهافت التهافت، وكأنه لم يخطر ببالهم أن الغزالى الذى حارب الفلسفة وحاول هدمها فيلسوف من طراز آخر غير طراز الفارابى وابن سينا؛ وأن المصادر الخصبة في فلسفته هى رسائله القصار كالمشكاة والرسالة اللدنية وبعض أجزاء كتبه المطولة كالإحياء ومقدمة المستصفى.
وأما علماء الغرب فقد جذبتهم في الغزالى شخصيته العالمية فعنوا بدراسة كتبه من حيث صلتها بعلم الأديان المقارن، وبالغزالى الصوفي لا الغزالى الفيلسوف.
ولا تزيد البحوث المطولة التى وضعها الغربيون حول "مشكاة الأنوار" على ثلاثة:
الأول: مقال كتبه فنسنك في ليدن سنة ١٩٤٤ في عشر صفحات.
الثاني: بحث نشره جيردنر بمجلة "الإسلام" Der Islam بالإنجليزية بعنوان "مشكاة الأنوار ومشكلة الغزالى" سنة ١٩١٤.
الثالث: بحث نشره مونتجومرى وات بمجلة الجمعية الملكية الآسيوية J R. A. S سنة ١٩٤٥.