فإنّك إن حرّفت في هذا بعض التحريف، أو جزَّفت في ذاك بعض التجزيف، خرج معناك من أن يكون فخماً نبيلاً، ولفظُك من أن يكون حُلواً مقبولاً، لأنّ الأحوال كلها - في اصلاحها وفسادها - موضوعة دون اللفظ المُونق، والتأليف المُعجِب، وقُبل فاسد معناه لصالح لفظه! وقلتَ: وإنما نبّهتك على هذا شفقة عليك، وحرصاً على أن لا يكون لمُعْنتٍ وعائبٍ طريق إليك، وأنت - بحمد الله - مُستوصٍ لا تُحوج إلى تنبيه بعنف، وإن أحوجت إلى إذكار بلُطف؛ وقد كان البيان عزيزاً في وقت البيان، والنُّصح غريباً في وقت النُّصح، والدّين مُسترَفاً في وقت الدين، إذ الحكمة مُعانقةٌ بالصّدر والنحر، مُقبَّلة بكل شفةٍ وثغر، مخطوبة من جميع الآفاق، يُقرع من أجلها كلُّ باب، ويَحرق على فائتها كلُّ ناب، والأدب متنافس فيه، محروص على الاستكثار منه، مع شُعَبه الكثيرة وطرائقه المختلفة؛ والدين في عرض ذلك مَذبوب عنه بالقول والعمل، مرجوع إليه بالرِّضا والتسليم، مقنوع به في