عمُّك، وشبّ ابنك، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد قال:" إنّ من الشِّعرِ لَحُكما "، كما قال:" وإنَّ من البيانِ لَسِحْرا "، وكيف لا يكون كذلك وفيه مثل قول لبيد:
إن تَقوى ربِّنا خيرُ نَفَل ... وبإِذنِ الله رَيْثِي وعَجَلْ
والشعر كلام وإن كان من قبيل النظم، كما أن الخطبة كلام وإن كان من قبيل النثر، والانتثار والانتظام صورتان للكلام في السَّمع، كما أن الحقّ والباطل صورتان للمعنى، وكذلك المثل في السمع، وليس الصواب مقصوراً على النّثر دون النظم، ولا الحقّ مقبولاً بالنّظم دون النّثر؛ وما رأينا أحداً أغضى على باطل النّظم واعترض على حق النّثر؛ لأنّ النّثر لا ينتقص من الحقّ شيئاً؛ وما أحسنَ ما قال القائل:
وإنّما الشعرُ لبُّ المرء يَعرِضُه ... عَلَى المجالس إن كَيْساً وإن حَمَقَا
وهذا باب لا يفيد الإغراق فيه إلاّ ما يُفيد التّوسط والقصد، فلا وجه مع هذا للإطالة، ولَما يكون سبباً للملامة.
وهذه الجملة - أكرمك الله - أنت أحوجتني إليها، وجشَّمتني صعبها حتى نَشبتُ بها قائماً وقاعداً، وتقلّبتُ في حافاتها مختاراً ومضطراً، وتصرّفتُ في فنونها مُحسناً ومُسيئاً، لما تابعت إليّ من كتابٍ بعد كتاب، تُطالبني في جميعه بنسخ أشياء من حديث ابن عبّاد وابن العميد وغيرهما ممّن أدركتُ في عصري من هؤلاء، منذ سنة خمسين وثلاثمائة إلى هذه الغاية، وزعمتَ أني قد خَبَرتُ هذين الرجلين من غمار الباقين، ووقفتُ على شأنهما، واستبنتُ دخائلهما، وعرفتُ خوافي أحوالهما، وغرائب مذاهبهما وأخلاقهما. ولَعمري قد كان أكثر ذاك، إما بالمشاهدة والصُّحبة، وإما بالسماع والرواية من البطانة والحاشية والنُّدماء وذوي المُلابسة.
وقلت: ينبغي أن تُضيف إلى ذلك ما يتعلّق به، ويدخل في طرازه ولا يخرج عن الإفادة بذكره، والاستفادة من نشره؛ فإن