وقد زادَني عَتباً عَلَى الدّهر أنّني ... عَدِمتُ الذي يُعدِي عَلَى حادِث الدَّهر
وهذا كثير، والدّاءُ فيه متفاقم، والقول عليه مُعادٌ مَمْلول.
فإن قلت: هؤلاء شعراء، والشعراء سفهاء، ليسوا علماء ولا حكماء، وإنما يقولون ما يقولون، والجشع بادٍ منهم، والطمع غالب عليهم، وعلى قدر الرّغبة والرّهبة يكون صوابهم وخطأهم؛ ومن أمكن أن يُزحزَح عن الحقّ بأدنى طمع، ويُحمَل على الباطل بأيسرِ رغبة، فليس ممَّن يكون لقوله إِتاء، أو لحكمته مَضَاء، أو لقدَرِه رِفْعة، أو في خُلُقه طهارة؛ ولهذا قال القائل:
لا تَصحبنَّ شاعراً فإِنّه ... يَهجوك مَجّاناً ويُطْرِي بثمَنْ
وهذا لأنه مع الريح، إن مالت به مال، يتطوّح مع أقلّ عارض، ويُجيب أوّل ناعق، ويَشيم أيَّ برقٍ لاح، ولا يُبالي في أي وادٍ طاح؛ فقد جمعَ دينه ومروئته في قَرَنٍ تهاوناً بهما، وعجزاً عن تدبيرهما؛ فهو لا يكترث كيف أجابَ سائلاً، وكيف أبطلَ مُجيباً، وكيف ذمّ كاذباً ومتحاملاً، وكيف مدحَ مُوارِباً ومُخاتلا. فلا تفعل، فداك