واعلم أنك إن كنت تريد الاعتذار فقد أسلفت الواضح فيه، وإن كنت تطلب الاحتجاج فقد أتى البيان عليه، وإن كنت تغضب لابن عباد أو لابن العميد فقد شحَنتُ هذا الكتاب من فضلهما وأدبهما وكرمهما ومجدهما، بما إذا ميّزته وأفردته ثم اجتَليْتَه وأبصرته، واقع نفسك، وشفى غليلك، وبلغ آخر مُردك؛ وإلا فعرّفني مَن جمع إلى هذا الوقت عشر ورقاتٍ في مناقبهما وآدابهما ومكارمهما، وما ينطق عن اتّساعهما وقدرتهما، ويدعو إلى تعظيمهما وتوفية حقوقهما ومعرفة أقدارهما وهممهما، ممَّن لهما عليه الإصبع الحسنة، واليد الخضراء، والنّعمة السّابغة، ومن لم يُذكر إلاّ بهما، ومن لم يعرف إلا في أيامهما، ومَن لو لم يلتفت إليه واحد منهما لكان يحرس في الدُّروب، أو يلقُط النَّوى في الشّوارع، أو يُوجد في أواخر الحمّامات.
ودع الشعراء جانباً، فإنما ذاك عن حسب دَنيّ، ومذهب زريّ، وطَمع خسيس، ومقام نذل، وموقفٍ مُخجل؛ ولكن هاتِ رسالةً مجرَّدة، وأديباً فاضلاً وعالماً مذكوراً تجرد لنُصرتهما، ودلّ على خفيّ فضلهما، أو عجَّب من جليّ فعلهما!