للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَحَدِيثُ عُمَرَ فِي الْمُقَدِّمِ ثَقَلَهُ (٩٣) لَيْلَةَ النَّفْرِ أَنَّهُ: "لَا حَجَّ لَهُ"، وَقَالَ حُذَيْفَةُ: "مَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ الثِّيَابِ وَهُوَ صَائِمٌ أَبْطَلَ صَوْمَهُ" (٩٤).

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا وَمَا كَانَ مُضَاهِيًا لَهَا فَهُوَ عِنْدِي عَلَى مَا فَسَّرْتُهُ لَكَ، وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا الْبَرَاءَةُ، فَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: "مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَلَيْسَ مِنَّا"، لَا نَرَى شَيْئًا مِنْهَا يَكُونُ مَعْنَاهُ التَّبَرُّؤُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا مِنْ مِلَّتِهِ، إِنَّمَا مَذْهَبُهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُطِيعِينَ لَنَا، وَلَا مِنَ الْمُقْتَدِينَ بِنَا، وَلَا مِنَ الْمُحَافِظِينَ عَلَى شَرَائِعِنَا، وَهَذِهِ النُّعُوتُ وَمَا أَشْبَهَهَا (٩٥) وَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ: "لَيْسَ مِنَّا": لَيْسَ مِثْلَنَا، وَكَانَ يَرْوِيهِ عَنْ غَيْرِهِ أَيْضًا، فَهَذَا التَّأْوِيلُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَهُ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ فَإِنِّي لَا أَرَاهُ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَيْسَ مِثْلَ النَّبِيِّ لَزِمَهُ أَنْ يَصِيرَ مَنْ يَفْعَلُهُ مِثْلَ النَّبِيِّ ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَاعِلَ وَالتَّارِكِ، وَلَيْسَ لِلنَّبِيِّ عَدِيلٌ وَلَا مَثَلٌ مِنْ فَاعِلٍ ذَلِكَ وَلَا تَارِكِهِ.

فَهَذَا مَا فِي نَفْيِ الْإِيمَانِ وَفِي الْبَرَاءَةِ مِنَ النَّبِيِّ ، إِنَّمَا أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ، وَإِلَيْهِ يَؤُولُ.

وَأَمَّا الْآثَارُ الْمَرْوِيَّاتُ (٩٦) بِذِكْرِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَوُجُوبِهِمَا بِالْمَعَاصِي، فَإِنَّ مَعْنَاهَا عِنْدَنَا لَيْسَتْ تُثْبِتُ عَلَى أَهْلِهَا كُفْرًا وَلَا شِرْكًا يُزِيلَانِ الْإِيمَانَ عَنْ صَاحِبِهِ، إِنَّمَا وُجُوهُهَا: أَنَّهَا مِنَ الْأَخْلَاقِ وَالسُّنَنِ الَّتِي عَلَيْهَا الْكُفَّارُ وَالْمُشْرِكُونَ، وَقَدْ وَجَدْنَا لِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الدَّلَائِلِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ نَحْوًا مِمَّا وَجَدْنَا فِي النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.


= (ص ١٦١) بنحوه، وأخرجه من حديث جابر وأبي هريرة مرفوعا بلفظ الكتاب ولا يصح أيضًا.
(٩٣) الثقل: متاع المسافر.
(٩٤) قلت: وقد روي مرفوعًا، ولكنه موضوع كما في "اللآلي المصنوعة" للسيوطي.
(٩٥) كذا الأصل.
(٩٦) الأصل "المرجيات" والآثار المشار إليها تقدمت (ص ٤٠ - ٤١).

<<  <   >  >>