فيها إلى تلطف وإلا صارت فضيحة، وكان فسادها أكثر من صلاحها.
ومن خالط متفقهة العصر غلب على طبعه المراء والجدال، وعسر عليه الصمت، إذ ألقى إليه علماء السوء أن ذلك هو الفضل، والقدرة على المحاجة والمناقشة هو الذي يمتدح به؛ ففر منهم فرارك من الأسد، واعلم أن المراء سبب المقت عندالله وعند الخلق.
[الخامس تزكية النفس]
فقد قال الله تعالى:(فَلا تُزَكوا أَنفُسَكُم هَو أَعلَمُ بِمَن اِتقى) ، وقيل بعض الحكماء: مالصدق القبيح؟ فقال: ثناء المرء على نفسه. فإياك أن تتعود ذلك، واعلم أن ذلك ينقص من قدرك عند الناس، ويوجب مقتك عندالله تعالى. فإذا أردت أن تعرف أن ثناءك على نفسك لا يزيد في قدرك عند غيرك، فانظر إلى أقرانك إذا أثنوا على أنفسهم بالفضل والجاه والمال كيف يستنكره قلبك عليهم، ويستثقله طبعك، وكيف تذمهم عليه إذا فارقتهم؛ فاعلم أنهم أيضا في حال تزكيتك لنفسك يذمونك في قلوبهم ناجزا، وسيظهرونه بألسنتهم إذا فارقتهم.
السادس: اللعن
فإياك أن تلعن شيئا مما خلق الله تعالى من حيوان أو طعام أو إنسان بعينه، ولا تقطع بشهادتك على أحد من أهل القبلة بشرك أو كفر أو نفاق؛ فإن المطلع على السرائر هو الله تعالى، فلا تدخل بين العباد وبين الله تعالى، واعلم أنك يوم القيامة لا يقال لك: لِم لمَ تلعن فلانا، ولم سكت عنه؟ بل لو لم تعلن ابليس طول عمرك، ولم تشغل لسانك بذكره لم تسأل عنه ولم تطالب به يوم القيامة. وإذا لعنت أحدا من خلق الله تعالى طولبت به، ولا تذم شيئا مما خلق الله تعالى، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يذم الطعام الردىء قط، بل كان إذا اشتهى شيئا أكله وإلا تركه.
[السابع الدعاء على الخلق]
فاحفظ لسانك عن الدعاء على أحد من خلق الله تعالى، وإن ظلمك فكل أمره إلى الله تعالى؛ ففي الحديث:(إن المظلوم ليدعو على ظالمه حتى يكافئه ثم يبقى للظالم فضل عنده يطالب به يوم القيامة) . وطول بعض الناس لسانه على الحجّاج فقال بعض السلف:(إن الله لينتقم للحجاج ممن تعرض له بلسانه كما ينتقم من الحجاج لمن ظلمه) .