للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إذا كان يريد نقداً علمياً صيحاً فما باله يعطي من عنده تقريراً يلقيه جزافاً من غير أي دليل صحيح، ويتهم فيه الدين بأنه بديل خيالي عن العلم؟

باستطاعة أي جاهل أن يقدم تقريراً لأتباعه من العميان يقول لهم فيه: إن الشمس التي يزعمها المبصرون ليست سوى بديل خيالي عن الشعلات البترولية التي يوقدها الذين اكتشفوا البترول واستخرجوه من أعماق الأرض.

ليس هذا في الحقيقة سوى شتائم باستطاعة أي إنسان محروم من الأخلاق العلمية أن يكيلها، فيسمي الحق باطلاً دون أن يقدم أي برهان، ويتهم الجميل بالقبح، ويصم العالم بالجهل، ويجعل الفضيلة رذيلة، وهكذا بلا ضابط فكري ولا ضابط أخلاقي، ولسنا نريد أن تكون معركتنا مع الملاحدة معركة شتائم، فلنقتسم معهم خطتي رشد وسفاهة، فنأخذ نحن خطة الرشد، ويأخذون هم خطة السفاهة. وخطة الرشد لا بد أن تنتصر في آخر الأمر على خطة السفاهة، لأن للحق قوة وسلطاناً على العقول، ولأن للرشد قوة وسلطاناً على القلوب. وخطة السفاهة ترغي وتزبد ولا حق يدعمها، ولا فضيلة تزينها، أو إلى القلوب تقرِّبها.

إنه لأمر طبيعي في الملاحدة - بعد أن جحدوا وجود الله تبارك وتعالى وهو مصدر الدين والمنزل لتعاليمه- أن يعتبروا ما جاء في الدين من أخبار صادقة أموراً خيالية، وأن يتهموا الدين بأنه بديل خيالي عن العلم، لكن البراهين العلمية نفسها تلزمهم بالإيمان بالله لو كانوا مخلصين حقيقة للعلم، إنهم يهربون من الدين إلى التذرع بالعلم، وحينما تردهم البراهين العلمية إلى الدين يراوغون ويخادعون، فيترددون في منطقة مظلمة لا تشرق عليها أنوار الدين ولا تشرق عليها أنوار العلم، ويعصبون أعينهم عن الحقيقة وينادون بالإنكار، والإنكار موقف سلبي تجاه الحقيقة، لا يكلف صاحبه أكثر من كلمة: لا أعترف، أو أنكر، أو أجحد، أو هذا غير صحيح، أو العلم لا يقبله، أو العقل لا يقبله، أو نحو ذلك، وكلما جئته بدليل عقلي أو علمي قال: لا أسلم، أو هذا دليل غير كافٍ، أو لم يعطني قناعة كافية.

ولكن إذا لم يكلفه الإنكار غير مثل هذه الأقوال عند المناظرة فسيكلفه الكثير الكثير عند الجزاء العادل، وسيكلفه خسارة سعادته الأبدية، وحمل ثقل الشقاء

<<  <   >  >>