للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بها النبوات، بدعوى أنها غير مدركة بالحس فلا يصح في نظرهم القاصر التسليم بها.

وهذه النظرة القاصرة إلى الوجود والتي يشهد ببطلانها كل عقل واعٍ مدرك هي مصدر شر كبير أفضى ببعض الناس إلى اعتناق فكرة المادية الملحدة، التي لا تعترف بشيء إلا باللذة والغريزة وحدود الظواهر المادية.

* السبب الثاني - الانحراف النفسي عن منهج الخُلُق القويم:

نلاحظ لدى دراسة أحوال الناس أن فريقاً كبيراً من ذوي الضلالة في الأرض لم يضلوا لجهلهم بالحقيقة بسبب عامل من عوامل الانحراف الفكري عن منهج التفكير السليم، وإنما ضلوا أو أجرموا بسبب هروبهم من وجه الحقيقة إرضاء لشهوة من شهوات نفوسهم، ورغبة من رغائبها.

ومتى هرب الإنسان من وجه الحقيقة سعى ينتحل لنفسه مبادئ أخرى باطلة ليحلها في محلها، ثم يكدح كدحاً شديداً ليقنع نفسه وغيره بصحتها وسلامتها، وضرورة الأخذ بها.

وذلك لأن الفكر السوي يصعب عليه أن يسلم بالمفاهيم الباطلة مهما أغرت الأهواء والشهوات بزخرفها، ولكن سلطان الأهواء والشهوات يأسر النفوس فيجعل بينها وبين العقل السليم غشاوة، ومتى طال أمد الغشاوة الحاجبة للعقل عن عمله السديد تبلد الفكر، وفسدت طريقة البحث لديه.

وزاوية الانطلاق في هذا السبب تبدأ من اتباع الأهواء والشهوات.

إن الأهواء والشهوات في الأنفس تميل في أغلب أحيانها إلى اغتنام اللذات العاجلة، ولو كان من ورائها مشار وآلام كثيرة آجلة، وتميل إلى زخرف الحياة الدنيا وزينتها وتفاخرها ولو كان في ذلك شقاء أبدي بسخط الله.

فمن طبع أهواء النفوس وشهواتها أنها تؤثر العاجلة، وتذر الآخرة، ما لم يضبطها ضابط من العقل الصحيح الراجح، المقرون بالإرادة الحازمة، أو ضابط من الإيمان الراسخ والدين المهيمن على النفس والمتغلغل في أعماق القلب والوجدان والمقرون بتقوى الله جلَّ جلاله.

<<  <   >  >>