للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حندسها الفطن الأريب وقد بادت الفكر وعجزت القوى والقدر وحارت عقول البشر دون إدراك ما يبرزه كل وقت من الصور من وراء ستر الغيب مستعداً للقضاء والقدر ولم يعهد من الدهر الخؤن والزمان المجون إذا استقام أو قزل أو جد أو هزل أو أمر بنازل فنزل أو ولى أو عزل أو أقبل أو اعتزل أو غزل أن يرسل قبل ذلك منذراً أو مبصراً أو محذراً اليستيقظ النائم أو ينهض الجاثم أو يتحرك القائم وإنما يحطم بغته ويهجم في سكته ويأخذ على بهته فلا يفلت منه فلته ولا يهمل إلى لحظة ولا لفته وقد قيل:

يا راقد الليل مسروراً بأوله ... إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

لا تركنن لليل طاب أوله ... فرب آخر ليل أوقد النارا

وعلى هذا لو وقع منا غفلة أو ذهول عند قدوم هذا الجيش المهول فاخترم والعياذ بالله واحداً منا ونحن أحسن ما نكون سكوناً وأمناً فكيف ترين يبقى حال الآخرون إلا كما قال الشاعر:

ما حال من كان له واحد ... يؤخذ منه ذلك الواحد

وإذا بقي أحدنا وانعزل متوحداً ماذا يفيده الوطن والجيران والسكن وهل تفي لذة وصال ألفي سنة بألم فراق تلك الساعة الخشنة كما قيل:

إن كان فراقنا على التحقيق ... فذي كبدي أحق بالتمزيق

لو دام لنا الوصال ألفي سنة ... ما كان يفي بساعة التفريق

وقال أيضاً:

لا كان في الدهر يوم لا أراك به ... ولا بدت فيه لا شمس ولا قمر

<<  <   >  >>