للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكل من لم يفتكر في العواقب قبل حلولها ويتأمل في تداركها بقدر الطاقة قبل نزولها ويطمئن إلى سكون الزمان ويسند ظهره إلى مسند الحدثان ويحيل الكوائن على القضاء والقدر ويرفع يد التدبير عن تعاطي أسباب الحذر كان كمن ترك إحدى زاملتيه فارغة وحشا الأخرى من الأحجار الثقيلة الدامغة فأنى يستقيم محملة أو يبلغ منزله فلا يزال حمله مائلاً وخطبه هائلاً فالعاقل يسعى فيما يظن نفعه ويبذل في ذلك غاية جهده ووسعه ولا يترك الطلب ولا يغفل عن السبب ويعمل بموجب ما قيل:

فلا وأبيك لا أدع احتياطي ... ومالي في قضاء الله حيله

وعلى كل حال يا ربة الحجال تعاطي الأسباب لا يقدح في الاتكال وناهيك يا مليحة العمل حكاية الحمار مع الجمل فسالت غرغرة أن بين ذلك ويذكره (قال) بلغني أنه ترافق في المسير عبر مع بعير فكان الحمار كثير العثار مع أن عينيه تراقب مواطئ رجليه وكان الجمل على عظم هامته وعلو قامته وبعد عينيه عن مواطئ يديه ورجليه لا تزال له قدم ولا يصل إليه ألم فقال الحمار للبعير أيها الرفيق الكبير ما بالي في المسير كثير التعثير دائم الوقوع والزلل والعثار والخطل لا أخلو من حجر يدمى مني الحافر أو عثرة ترميني في حفرة حافر مع أن عيني تراقب يدي ولا تنظر سواهما إلى شيء وأنت لا تنظر مواطئ اخفافك ولا تعرف على ماذا تقع رؤس أطرافك لا حجر يصيب خفك ولا شوكة تخرق كفك ولا جورة تقع فيها ولا تختل عن طريق تمشيها ولا أدري هذا مماذا

<<  <   >  >>