قال أبو صابر يا أخي نظرك قاصر وفكرك غير باصر لا تراقب ما بينيديك ولا تنظر ما أمامك ألك أم عليك فإذا أدهمك ما دهاك عجز عنه نهاك فلا تشعر إلا وقد وقعت وانخرق ما راقعت فلا يمكنك التدارك والتلاف إلا وأنت رهين التلاف وأما أنا فأراقب ما يصير من العواقب وأنظر أمامي الطريق على بعد فأميز المسلوك من قبل ومن بعد فلا أصل إلى صعب إلا وقد أذللته ولا إلى وعر إلا وقد سهلته ولا إلى وهدة إلا وقد عرفت طريقها ولا إلى عقبة إلا وقد كشفت واسعها ومضيقها فاستعد للأمر قبل نزوله وأتأهب للخطب قبل حلوله واحتال لقطعة وصوله وأحله قبل أن يعقد وأقيمه دون أن يقعد وهذه قاعدة للفقهاء وأصل كبير للحكماء من العلماء أنهم قالوا أن الدفع أهون من الرفع ومن كلام الألباء وأصول حذاق الأطباء قوله:
الطب حفظ صحة برء مرض ... من سبب في بدن إذا عرض
(وإنما أوردت) هذا المثل عن الحمار والجمل لتعلمي ياست الحجل أنه لا بد لنا من الأهبة قبل النكبه فما كل مره تسلم الجره وقد قرب وقت وضع البيض وبعده يدهمنا من سيل العسكر الفيض فلا بد من أعمال الفكر المصيب في وجه الخلاص من هذا الأمر العصيب كما قيل:
مهد لنفسك قبل النوم مضطجعاً
قالت غرغره الحكيمة المدبرة جميع هذه الأخبار لا تخلو عن دقيق الأنظار وتحقيق مصيب الأفكار وغامض معاني الأسرار وكل عاقل يقبله يديه ويقبل يديه ويمتثله ويقبل عليه وكل فكر مصيب يجثو للأقتباس بين يديه