فقال تفكرت ما مضى من الزمان الناضر وما تقتضي فيه من طيب العيش وانشراح الخاطر وقد تبدل وجوده بالعدم ولم يحصل من ذلك سوى الذنوب والندم وقد وهنت العظام واستولى على الجسد السقام وتزلزلت أركان الأعضاء وتراكمت فنون الأدواء واشتعل الشيب وانقد وجر الآلام وقد:
عزمت على إخلاء جسمي روحه ... من خرق شيب كل عنه الراقع
قلت اسكنيه يا عمارة عمره ... قالت فكيف وبيت جسمك واقع
ثم قال ولم أفق من هذه السكرة ولا وقعت في هذه الفكرة إلا وسفينة العمر بالساحل قد أرست وأصيل شمس العيش على قلة الفناء أمست فما أمكنتي إلا التلافي بالتوبة والندم قبل حلول نوائب الأجل وزلة القدم والتطهر من جنابة المظالم بمياه الاستعبار والالتجاء إلى جانب الحق بالالظاظ في الاستغفار وغسل أوساخ الذنوب والمظالم بدموع الإنابة والاعتذار:
وما أقبح التفريط في زمن الصبا ... فكيف به والشيب للرأس شامل
فاعلمي أن جامح هواي قلع ضرس الآمال والطمع وجارح متمناي خوافي الشره والهلع وقد قدمت إلى هذا المكان لا تحلل من الأسماك والحيتان فأني طالما أغرت على عشائرهم وأولادهم وخضت في دماء قلوبهم وأكبادهم وشتت شملهم وخوفت جلهم وقلهم. وأرعبتهم وأرهبتهم وأقلقتهم وفرقتهم وغربتهم وبالدماء شرقتهم فرأيت براءة الذمة في الأولى أولى والمبادرة بالتوبة قبل المصير إلى الأخرى أحرى فلعل أحمال الذنوب تخف وسحائب الغفران تكف