للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إلى استعمال عقله في النظريات ولا يرجع إلى رأيه فيما يدله عليه فليطرده إلى منزله " (١).

ومثل ذلك بل أصرح وأوضح ما ١كره عبد الغني الرافعي حيث قال:

" إذا طلب المريد من شيخه دليلا شرعيًّا أو عقليًّا على ما ذكره من المعارف الإلهية والإشارات الربانية فليزجره ويهجره , وإن لم يفعل فقد خانه في التربية ... وذلك لأن الواجب في هذا الطريق التصديق للمرشد والتسليم لغيره , ويحرم على المريد الفكر والنظر في الأدلة , ويجب عليه الصمت وعدم التكلّم.

وإذا أصر المريد على الفكر والنظر في الأدلة , فليطرده , لئلا يفسد عليه بقية أصحابه , كما يجب عليه طرده إذا علم أن حرمته سقطت من قلبه (٢).

وسبب ذلك أن " طريق القوم أمر خاص زائد على علوم الظاهر " (٣).

والعلم الظاهر المقصود منه علم القرآن والسنة , فإن المتصوفة يريدون أن يترك المسلون تعلم كتاب الله ودراسة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبعون خرافاتهم وخزعبلاتهم وأوهامهم التي يسمونها إلهامًا , وتخيلاتهم التي يسمونها كشفًا كما ذكر ذلك ابن عجيبة الحسني:

" كان طريق التصوف مؤسسة على الكتاب والسنة , وإلهامات العارفين الذين تنورت عقولهم, وانصقلت مرآة قلوبهم فيها فتجلى فيها ما كان حقًّا , وزهق منها ما كان باطلا , فكانت طريقتهم مبنية على التحقيق " (٤).

فأضاف القوم إلى الكتاب والسنة أوهامهم وخرافاتهم أيضًا باسم الإلهامات , وهي الأصل والمحك عندهم , وعلى هذا الأساس خالفوا نصوص الكتاب والسنة ولم يسمحوا مجال الاعتراض لمريديهم التجاء إلى هذه القاعدة الصوفية كما سنبِّين ذلك في هذا الباب إن شاء الله.


(١) ((الأمر المحكم المربوط فيما يلزم أهل طريق الله من الشروط)) لابن العربي , المنشور مع ((ذخائر الأعلاق)) له أيضًا ص ٢٦٩ - ٢٧٠ ط مطبعة السعادة القاهرة.
(٢) ((ترصيع الجواهر المكية)) لعبد الغني الرافعي ص ١٢٩.
(٣) ((الأنوار القدسية)) للشعراني نقلا عن علي بن وفا , ج١ ص ١٩٤ ط بغداد العراق.
(٤) ((الفتوحات الإلهية)) في شرح المباحث الأصلية لابن عجيبة ص ٣٤٤ ط عالم الفكر القاهرة ١٩٨٣م.

<<  <   >  >>