للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الإلهام الصحيح من غير تعب ولا نصب ولا سهر كما أخذه الخضر عليه السلام.

فلا علم إلا ما كان عن كشف وشهود لا عن نظر وفكر, وظن وتخمين (١).

فهذا النص يرشح كل ما في إناء الديانة الصوفية من مخالفة طلب العلم والسعي لاكتسابه , والرحلة في سبيله , فلا يخرج أحد لطلب علوم القرآن والحديث, وليجلس في دير من دور القوم أو خلوة من الخلوات ويشتغل فيها بالعبادة والتحنث فيفتح الله عليه جميع العلوم بالتجلي على قلبه - عياذًا الله - كما ذكر الشعراني مبينًا نزول صورة العلوم والإلهام عليه ردًا على سؤال سأله:

((ما صورة تنزل وحي الإلهام على قلوب الأولياء؟)) فأجاب:

" صورته أن الحق تعالى إذا أراد أن يوحي إلى ولي من أوليائه بأمر ما, تجلى إلى قلب ذلك الولي في صورة الأمر, فيفهم من ذلك الولي التجلي بمجرد مشاهدته ما يريد الحق تعالى أن يعلم ذلك الولي به من تفهيم معاني كلامه أو كلام نبيه صلى الله عليه وسلم فهناك يجد الولي في نفسه علم ما لم يكن يعلم من الشريعة " (٢).

هذا بالنسبة للعقل, وأما النقل , فلقد صرح ابن عربي أنه لا علاقة له بعلمهم الذوقي والكشفي والإلهامي كما قال:

" وتختلف الطريق في تحصيل العلوم بين الفكر والوهب وهو الفيض الإلهي , وعليه طريقة أصحابنا , ليس لهم في الفكر دخول لما يتطرق إليه من الفساد, والصحة فيه مظنونة , فلا يوثق بما يعطيه ... ولهذا يقال في علوم النبوة والولاية: إنها وراء طور العقل , ليس للعقل فيها دخول بفكر, لكن له القبول , خاصة عند السليم العقل الذي لم تغلب عليه شبهة خيالية فكرية, يكون من ذلك فساد نظره " (٣).

وأيضًا: " إن علوم الأنبياء والأولياء أذواق لا عن فكر ونظر " (٤).

وقال محمد الاستنبولي: " لا يجوز لمن لا يعرف مصطلح القوم أن يتكلم في حقهم


(١) ((الطبقات الكبرى)) للشعراني ص٥.
(٢) ((اليواقيت والجواهر)) للشعراني ج٢ ص ٨٤ ط مصطفى البابي الحلبي ١٣٧٨هـ.
(٣) ((الفتوحات المكية)) لابن عربي , الجزء الرابع والعشرون, الباب السابع والأربعون , السفر ص ١٦٢ ط الهيئة المصرية العامة للكتاب ١٩٧٥م.
(٤) ((ختم الأولياء)) للحكيم الترمذي ص٢٣٩ هامش ط المطبعة الكاثوليكية بيروت.

<<  <   >  >>