للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلا ينبغي أن يسمع في حضورهم فإن سمع فليشغلهم بشغل آخر ...

الأدب الثالث: إن يكون مصغياً إلى ما يقول القائل , حاضر القلب , قليل الالتفات إلى الجوانب , متحرزاً عن النظر إلى وجوه المستمعين وما يظهر عليهم من أحوال الوجد. مشتغلاً بنفسه ومراعاة قلبه ومراقبة ما يفتح الله تعالى له من رحمته في سره , متحفظاً عن التنحنح والتثاؤب , ويجلس مطرقاً رأسه , كجلوسه في فكر مستغرق لقلبه , متماسكاً عن التصفيق والرقص وسائر الحركات على وجه التصنع والتكلف والمراءاة , ساكتاً عن النطق في أثناء القول بكل ما عنه بدّ فإن غلبه الوجد وحركة بغير اختيار فهو معذور غير ملوم ...

الأدب الرابع: أن لا يقوم ولا يرفع صوته بالبكاء وهو يقدر على ضبط نفسه ولكن إن رقص أو تباكى فهو مباح إذا لم يقصد به المراءاة لأن التباكي إستجلاب للحزن , والرقص سبب في تحريك السرور والنشاط , فكل مسرور مباح فيجوز تحريكه ...

الأدب الخامس: موافقة القوم في القيام إذا قام واحد منهم في وجد صادق من غير رياء وتكلف , أو قام باختيار من غير إظهار وجد وقامت له الجماعة فلا بد من الموافقة , فذلك من آداب الصحبة. وكذلك إن جرت عادة طائفة تنحية العمامة على موافقة صاحب الوجد إذا سقطت عمامته أو خلع الثياب إذا سقط عنه ثوب بالتمزيق فالموافقة في هذه الأمور من حسن الصحبة والعشرة , إذا المخالفة موحشة ولكل قوم رسم , ولا بد من مخالفة الناس بأخلاقهم كما ورد في الخبر , لا سيما إذا كانت أخلاقاً فيها حسن العشرة والمجاملة وتطيب القلب بالمساعدة " (١).

فيا لهفتي ووا أسفي على فقيه مثل الغزالي الذي ذهب به التصوف إلى هذه المذاهب والمقالات التي لا تتصور عن عاقل ذي شعور أن يقولها أو يتلفظ بها دون أن تصدر من شخص فقيه متكلّم أصولي مناظر , ولله في خلقه شأن يهدي من يشاء ويضل من يريد , وبهذا يعرف قدرته واختياره , وعظمته وجلالته.


(١) إحياء علوم الدين للغزالي ج ٢ ص ٢٧٦ وما بعد.

<<  <   >  >>