للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ذلك عن الطوسي نفسه أيضاً - أن القرآن كلام الله وكلامه صفته , وهو حق لا يطيقه البشر إذا بدا , لأنه غير مخلوق لا تطيقه الصفات المخلوقة ولو كشف للقول ذرة من معناه وهيبته لتصدّعت ودهشت وتحيّرت ...

نفس الرواية التي حكيناها من قبل عن يوسف الرازي - ثم قال:

فإذن القلوب وإن كانت محترقة في حب الله تعالى فإن البيت الغريب يهيج منها ما لا تهيج تلاوة القرآن " (١).

وأما ما قاله السراج فهو: " إن القرآن كلام الله وكلامه صفته لا تطيقه البشرية ... والنغمات الطيبة موافقة للطبائع , ونسبته نسبة الحظوظ ولا نسبة الحقوق , والقرآن كلام الله , ونسبته نسبة الحقوق , لا نسبة الحظوظ , وهذه الأبيات والقصائد أيضاً نسبتها نسبة الحظوظ لا نسبة الحقوق , وهذا السماع وإن كان أهله متفاوتين في درجاتهم وتخصيصهم فإن موافقة للطبع , وحظاً للنفس , وتنعماً للروح , لتشاكله بتلك اللطيفة التي جُعلت في الأصوات الحسنة , والنغمات الطيبة وكذلك الأشعار فيها معادن دقيقة , ورقة وفصاحة ولطافة وإشارات , فإذا عُلقت هذه الأصوات والنغمات على هذه القصائد والأبيات يشاكل بعضها بعضاً بموافقتها ومجانستها , ويكون أقرب إلى الحظوظ , وأخف محملاً على السرائر والقلوب , وأقل خطراً لتشاكل المخلوق بالمخلوق.

فمن أختار استماع القصائد على استماع القرآن اختار لحرمة القرآن , وتعظيم ما فيه من الخطر: لأنه حقٌ , والنفوس تحسن عندها , وتموت عن حركاتها , وتغني عن حظوظها وتنعمها إذا أشرقت عيبها أنوار الحقوق بتشعشعها وأبدت بها عن معانيها , فقالوا: ما دامت البشرية باقية ونحن بصقاتنا وحظوظنا وأرواحنا متنعمة بالنغمات الشجية والأصوات الطبية فانبساطها بمشاهدة بقاء هذه الحظوظ إلى القصائد أولى من انبساطها بذلك إلى كلام الله عز وجل الذي هو صفته وكلامه الذي منه بدأ وإليه


(١) إحياء علوم الدين للغزالي ج ٢ ص ٢٧٣ إلى ٢٧٦ ملخصاً بألفاظه.

<<  <   >  >>