للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ذراعاً أقتربت إليه باعاً , وإن أتاني مشياً أتيته هرولة) (١).

وإن الأذكار والأوراد سبب قربة الله ورضائه , ورضوانه ولا يتقرب الإنسان إلى ربه بمثل ما يتقرب إليه بتلك الطريقة التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم , وبالألفاظ والكلمات والصيغ التي تلفظ بها عليه الصلاة والسلام , ولقن بها تلامذته الراشدين ورفاقه المهديين لأن على تلك الألفاظ والكلمات والصيغ مسحة من مسحات الوحي , ونفحة من نفحات الرب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينطق إلا بما يوحى إليه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى {٣} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {٤} (٢).

فلا تكون الكلمات أرضى لله وأحب إليه من تلك الكلمات التي أختارها هو سبحانه وتعالى لإلقائها إلى نبيه وصفيه ليدعو بها , ويتقرب إليه , ويبتغي مرضاته , فعلى ذلك لم يقبل توبة آدم إلا بتلك الكلمات التي ألقاها إليه هو نفسه جل جلاله وعمّ نواله كما ذكر في محكم كتابه:

{فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} (٣).

وأما كلمات الآخرين وكلامهم فمن يدري أنها تصل إلى جنابة وتجد القبول عنده أم لا , وفي استعمالها وصياغتها نوع من الإزدراء والاستهجان والاستسخار بتلك الكلمات التي دعا بها نبي الرب ربه أو ذكره بها , حيث ظنّ المخترع والمبتدع بأن أذكاره وأوراده التي ركّبها من عند نفسه هي أحسن وأجمل وألطف وأسرع وصولا إلى الله من تلك الكلمات الربانية التي أوحى بها إلى صفيه ونجيّه أتقى الناس وأخشاهم لله وأعلمهم به وما يرضيه , وأفصح العرب ومن نطق بالضاد , وأبلغ الخلائق وأعرفهم بمدلولات الألفاظ ومنطوقات الحروف والكلمات , فترك ألفاظه وكلماته وصيغه في الذكر والدعاء والصلوات مضاهاة به وبفصاحته وبلاغته , ومنقصة بمقامه وشأنه ورتبته ومنزلته , علاوة على تكذيبه فيما يقوله ويبينه من المزية والفضيلة لذكر دون ذكر , ومخالفته وشقاقه ومعصيته , وتشريع جديد مع إقرار ختم النبوة به , وكمال الدين وتمام النعمة عليه.


(١) رواه البخاري.
(٢) سورة النجم الآية ٣ و ٤.
(٣) سورة البقرة الآية ٣٧.

<<  <   >  >>