لم يكن متوقعاً أن تشهد الجزيرة العربية تغيراً شاملاً يعصف رتابة الحياة ويزجها في أتون الصراعات الخارجية، بعد أن ظلت قروناً طويلة: ممزقة الأوصال، تعيش في دوامة الضياع والتشتت، وترضى من الدنيا بأقل القليل.
ولكن الله تعالى قدر لهذا الجزء القابع في أعماق الصحراء، البعيد عن أطماع المستعمرين، الذي لا يملك من أسباب الترف والرفاهية شيئاً، أن يقفز خلال سنوات قليلة إلى مصاف الدول المتحضرة، ويحقق لنفسه مكاناً أعاد للأذهان انتصارات الجيل الأول وفتوحاته المجيدة.
وهذه النقلة الرائعة التي استلفتت الأنظار ما كان لها أن تتحقق لولا عناية الله تعالى ثم جهود الدعوة السلفية الخالدة، التي ترعرعت بين روابي نجد ووهادها: فأمرعت وأينعت بأطيب الثمار. غير أنها حينما أخذت تمد يدها الحانية لجاراتها وتمكنت من بسط نفوذها على بلاد الحرمين وتخليصه من هيمنة الوثنية، وانتزاعه من براثن الشرك، أثار ذلك الانعتاق مخاوف الدولة العثمانية. ورأت فيه تعجيلاً بنهايتها، ونسفاً لمبررات وجودها، المعتمد على ثقلها الديني، والمنبثق من سيطرتها على الأماكن المقدسة.