رَبَّهُمْ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: ١٠٧] ، فَيَسْكُتُ عَنْهُمْ قَدْرَ عُمْرِ الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: ١٠٨] فَوَاللَّهِ مَا نَبَسَ الْقَوْمُ بَعْدَهَا بِكَلِمَةٍ وَمَا هُوَ
إِلا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ.
فَشَبَّهَ أَصْوَاتَهُمْ بِأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ: أَوَّلُهَا زَفِيرٌ، وَآخِرُهَا شَهِيقٌ.
أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ يَدْعُونَ خَزَنَةَ أَهْلِ النَّارِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يَكُونُ جَوَابُهُمْ إِيَّاهُمْ: أَلَمْ تَأْتِكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ؟ {قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [غافر: ٥٠] ثُمَّ يُنَادُونَ مَالِكًا فَلا يُجِيبُهُمْ مِقْدَارَ ثَمَانِينَ سَنَةً.
ثُمَّ يَكُونُ جَوَابُ مَالِكٍ إِيَّاهُمْ: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: ٧٧] .
ثُمَّ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} [المؤمنون: ١٠٧] ، فَلا يُجِيبُهُمْ مِقْدَارَ الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَكُونُ جَوَابُهُ إِيَّاهُمْ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: ١٠٨] ثُمَّ إِنَّمَا هُوَ الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ.
قَوْلُهُ: {اخْسَئُوا فِيهَا} [المؤمنون: ١٠٨] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ: اصْغَرُوا فِيهَا، الْخَاسِئُ عِنْدَهُمَا الصَّاغِرُ.
وَتَفْسِيرُ قَتَادَةَ: الْخَاسِئُ: الَّذِي لا يَتَكَلَّمُ، لَيْسَ إِلا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ.
قَوْلُهُ: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي} [المؤمنون: ١٠٩] يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ.
{يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: ١٠٩] أَفْضَلُ مَنْ رَحِمَ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ، وَذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَهُوَ أَرْحَمُ مِنْ خَلْقِهِ.
- الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ مِنْهَا طِبَاقُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، فَأَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً فِيهَا تَتَرَاحَمُ الْخَلِيقَةُ، حَتَّى تَرْحَمَ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَتَهَا، وَالْوَالِدَةُ وَلَدَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَاءَ بِتِلْكَ التِّسْعِ وَالتِّسْعِينَ الرَّحْمَةَ، وَنَزَعَ تِلْكَ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِ الْخَلِيقَةِ فَكَمَّلَهَا
مِائَةَ رَحْمَةٍ، ثُمَّ نَصَبَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ.
فَالْخَائِبُ مَنْ خيبَ مِنْ تِلْكَ الْمِائَةِ الرَّحْمَةِ.