للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَظْهُرِهِمْ، وَأَنْ يَفْقِدُوهُ، فَخَرَجَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ، مُكَايِدًا لِدِينِ رَبِّهِ، وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.

وَقَالَ: فَخَرَجَ حَتَّى رَكِبَ السَّفِينَةَ، فَلَمَّا رَكِبَهَا قَامَتْ فَلَمْ تَسِرْ، قَالَ أَهْلُ السَّفِينَةِ: إِنَّ فِيكُمْ لَمُذْنِبًا، قَالَ: فَتَسَاهَمُوا، فَقَرَعَ يُونُسُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: ١٤١] مِنَ الْمَقْرُوعِينَ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَسْهُومِينَ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ {فَالْتَقَمَهُ} [الصافات: ١٤٢] هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.

قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ يُونُسَ دَعَا قَوْمَهُ زَمَانًا إِلَى اللَّهِ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ وَأَبَوْا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ الْعَذَابَ يَأْتِيهِمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا دَنَا الْوَقْتُ تَنَحَّى عَنْهُمْ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ بِيَوْمٍ جَاءَ فَجَعَلَ يَطُوفُ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: غَدًا يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ إِلَى الْمَلِكِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يُونُسَ يَبْكِي وَيَقُولُ: غَدًا يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ

الْمَلِكُ دَعَا قَوْمَهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا فَسَيَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ غَدًا، فَاجْتَمِعُوا حَتَّى نَنْظُرَ فِي أَمْرِنَا، فَاجْتَمَعُوا.

فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْغَدِ فَنَظَرُوا فَإِذَا بِظُلْمَةٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ وَقَدْ أَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ فَعَلِمُوا أَنَّهُ الْحَقُّ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ، وَبَيْنَ الْبَهَائِمِ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهَا، وَلَبِسُوا الشَّعَرَ، وَجَعَلُوا التُّرَابَ وَالرَّمَادَ عَلَى رُءُوسِهِمْ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ، وَبَكَوْا، وَآمَنُوا، فَصَرَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَلا يَكْذِبَ أَحَدٌ كَذِبَةً إِلا قَطَعُوا لِسَانَهُ، وَجَاءَ يُونُسُ مِنَ الْغَدِ،

فَنَظَرَ فَإِذَا الْمَدِينَةُ عَلَى حَالِهَا، وَإِذَا النَّاسُ دَاخِلُونَ وَخَارِجُونَ، فَقَالَ: أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أُخْبِرَ قَوْمِي أَنَّ الْعَذَابَ يَأْتِيهِمْ فَلَمْ يَأْتِهِمْ، فَكَيْفَ أَلْقَاهُمْ؟ فَانْطَلَقَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَإِذَا بِسَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ، فَأَتَوْهُ، فَحَمَلُوهُ وَلا يَعْرِفُونَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّفِينَةِ، فَتَقَنَّعَ وَرَقَدَ، فَمَا مَضَوْا إِلا قَلِيلا حَتَّى جَاءَتْهُمْ رِيحٌ كَادَتِ السَّفِينَةُ تَغْرَقُ فَاجْتَمَعَ أَهْلُ السَّفِينَةِ

وَدَعَوُا اللَّهَ ثُمَّ قَالُوا: أَيْقِظُوا الرَّجُلَ يَدْعُو اللَّهَ مَعَنَا، فَفَعَلُوا، فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ تِلْكَ الرِّيحَ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى مَكَانِهِ فَرَقَدَ، فَجَاءَتْ رِيحٌ كَادَتِ السَّفِينَةُ تَغْرَقُ، فَأَيْقَظُوهُ وَدَعَوُا اللَّهَ، فَارْتَفَعَتْ فَتَفَكَّرَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>