لقد آتى اللَّه مالكاً من الصفات والمواهب ما جعل منه محدثاً وفقيهاً يأخذ سمته في الاتجاه المستقيم والسير في ضوء القرآن والسنة، وآثار السلف الصالح:
آ - لقد آتاه اللَّه حافظة تعي، فإذا استمع إلى شيء استمع إليه في حرص ووعاه وعياً تاماً، حتى إنه ليسمع نيفاً وأربعين حديثاً مرة واحدة فيلقيها على من استمعها منه مباشرة ولا يضل منه إلا النيف.
ب - والصفة الثانية التي اتصف بها مالك رضي اللَّه عنه وكانت أساساً لنبوغه، هي الصبر والجلد والمثابرة، ومغالبة المعوقات في الوصول إلى الغاية. ولذلك كان رضي اللَّه عنه يقول:"لا يبلغ أحد ما يريد من هذا العلم، حتى يضرَّ به الفقر ويؤثره على كل حال".
جـ - والصفة الثالثة التي كانت من أسباب إدراكه للحقائق وفهمه للحديث وكتاب اللَّه تعالى هي الإخلاص في طلب العلم، فقد طلب لذات اللَّه، ونقى نفسه من كل الشوائب الغرض والهوى في دراسته وأثر عنه أنه كان يقول:"العلم نور لا يأنس إلا بقلب تقي خاشع". وكان يقول أيضاً:"ما زهد أحد في الدنيا إلا أنطقه اللَّه بالحكمة".
د - ومن المواهب التي أعطاها اللَّه مالكاً أيضاً قوة الفراسة والنفاذ إلى بواطن الأمور. وإلى نفوس الأشخاص يعرف ما تكنّ نفوسهم من حركات جوارحهم، ومن لحن أقوالهم. ولقد قال أحد تلاميذه:"كان في مالك فراسة لا تخطئ".
هـ - وهناك في مالك صفة خاصة هي جماع ما وهبه اللَّه من صفات وهي المهابة، وكان له مجلس أقوى تأثيراً من مجلس السلطان من غير أن يكون صاحب سلطان. وقد اجتمع به سفيان ⦗١٩⦘ الثوري رضي اللَّه عنه، وهو من قرنائه أصحاب المذاهب، فسئل عما رآه الإمام مالك، فقال سفيان مادحاً له:
يأبى الجواب فما يرجع هيبة * والسائلون نواكس الأذقان
أدب الوقار وعز سلطان التقى * فهو المطاع وليس ذا سلطان
ولا يمكن أن تسند هذه المهابة إلا إلى قوة الروح، وقد أعطى اللَّه سبحانه وتعالى مالكاً هذه الهبة الروحية التي جعلت له سلطاناً عن النفوس واجتذاباً للقلوب.. وإلى جانب هذا أعطاه اللَّه بسطة في الجسم حتى إن تلميذه الزبيري يقول:"كان مالك من أحسن الناس وجهاً وأحلاهم عيناً وأنقاهم بياضاً وأتهم طولاً في جودة بدن" وبذا كانت صفاته الجسمية والعقلية وأخلاقه وأحواله تلقي المهابة في نفس من يعرفه ويلقاه.
هذه هي صفات مالك رضي اللَّه عنه وق تهيأ لهذه الصفات أن تجد شيوخاً صالحين يوجهونها ويسيرون بها نحو الغاية. ولنتكلم عن هؤلاء: