للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرونِ} [البقرة: ١٥٢] ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ ملَائِكَتِي أَوْ رُسُلِي، ثُمَّ نَقُولُ: إِنْ جَازَ لَكُمْ أَنْ تَدَّعُوا هَذَا فِي قَوْلِهِ: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٣] جَازَ لِغَيْرِكُمْ أَنْ يَدَّعِيَهُ فِي قَوْلِهِ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] ، فَيَقُولُ: أَرَادَ بِهَا: لَا تُدْرِكُ غَيْرَهُ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ هَذَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ: لَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ، وَلَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الْكَافرِينَ مُطْلَقًا، كَمَا قَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: ١٥] . فَلمَّا عَاقَبَ الْكُفَّارَ بِحَجْبِهِمْ عَنْ رُؤْيَتِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُثِيبُ الْمُؤْمِنِينَ بِرَفْعِ الْحِجَابِ لَهُمْ عَنْ أَعْيُنِهِمْ حَتَّى يَرَوْهُ، وَلمَّا قَالَ فِي وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} [القيامة: ٢٢] ، فَقَيَّدَهَا بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَوَصَفَهَا، فَقَالَ: {نَاضِرَةٌ} [القيامة: ٢٢] ثُمَّ أَثْبَتَ لَهَا الرُّؤْيَةَ فَقَالَ: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٣] ، عَلِمْنَا أَنَّ الْآيَةَ الْأُخْرَى فِي نَفْيِهَا عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ، وَفِي نَفْيِهَا عَنِ الْوُجُوهِ الْبَاسِرَةِ دُونَ الْوُجُوهِ النَّاضِرَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْآيَتَيْنِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْهُ، ثُمَّ قَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّمَا نَفَى عَنْهُ الْإِدْرَاكَ دُونَ الرُّؤْيَةِ. وَالْإِدْرَاكُ هُوَ الْإِحَاطَةُ بِالْمَرْئِيِّ دُونَ الرُّؤْيَةِ، فَاللَّهُ يُرَى وَلَا يُدْرَكُ، كَمَا يُعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُرَى بِالْأَبْصَارِ قَوْلُ مُوسَى الْكَلِيمِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: ١٤٣] ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَبِيٌّ مِنَ

<<  <   >  >>