الْأَنْبِيَاءِ، قَدْ أَلْبَسَهُ اللَّهُ جِلبَابَ النَّبِيِّينَ وَعَصَمَهُ مِمَّا عَصَمَ مِنْهُ الْمُرْسَلِينَ، يَسْأَلُ رَبَّهُ مَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ رَبَّهُ مُسْتَحِيلًا، وَأَنَّ الرُّؤْيَةَ جَائِزَةٌ عَلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣] ، فَلمَّا كَانَ اللَّهُ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الْجَبَلَ مُستَقِرًّا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي لَوْ فَعَلَهُ لَرَآهُ مُوسَى، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُرِيَ نَفْسَهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ رُؤْيَتُهُ، وَقَوْلُهُ: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣] أَرَادَ بِهِ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ بِدَلِيلِ مَا مَضَى مِنَ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقوْنَهُ سَلَامٌ} [الأحزاب: ٤٤] ، وَاللِّقَاءُ إِذَا أُطْلِقَ عَلَى الْحَيِّ السَّلِيمِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا رُؤْيَةَ الْعَيْنِ، وَأَهْلُ هَذِهِ التَّحِيَّةِ لَا آفَةَ بِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: ٣٥] ، وَقَالَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: ٢٦] . وَقَدْ فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنْهُ، وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَانْتَشَرَ عَنْهُ وَعَنْهُمْ إِثْبَاتُ رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآخِرَةِ بِالْأَبْصَارِ، وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ أَقْوَالَ بَعْضِهِمْ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ، فَقَدْ أَفْرَدْنَا لِإِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ كِتَابًا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute