للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْأَزْرَقِ الْمَتُّوثِيُّ , أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , نا أَبُو بَكْرٍ مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الْأَنْصَارِيُّ , وَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْحَرْبِيُّ , وَأَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ قَالَا: نا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْقَزَّازُ , نا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ , نا أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ , نا عَاصِمُ بْنُ حُمَيْدٍ الْحَنَّاطُ , عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيِّ , عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ , قَالَ: أَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِي , فَأَخْرَجَنِي إِلَى نَاحِيَةِ الْجَبَّانِ , فَلَمَّا أَصْحَرَ جَلَسَ ثُمَّ تَنَفَّسَ , ثُمَّ قَالَ: " يَا كُمَيْلُ بْنَ زِيَادٍ , احْفَظْ مَا أَقُولُ لَكَ: الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ خَيْرُهَا أَوْعَاهَا النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ , وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ , وَهَمَجٌ رِعَاعٌ , أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ , لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ , وَلَمْ يَلْجَأُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ , الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ , الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ , وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ , الْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الْعَمَلِ , وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ , الْعِلْمُ حَاكِمٌ , وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ , وَصَنِيعَةُ الْمَالِ تَزُولُ بِزَوَالِهِ , مَحَبَّةُ الْعَالِمِ دِينٌ يُدَانُ بِهَا , تُكْسِبُهُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ , وَجَمِيلَ الْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ , مَاتَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ , الْعُلَمَاءُ بَاقُونَ , مَا بَقِيَ ⦗١٨٣⦘ الدَّهْرُ , أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ , وَأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ , هَا إِنَّ هَا هُنَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ - عِلْمًا , لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً , بَلَى أَصَبْتُهُ لَقِنًا , غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ , يَسْتَعْمِلُ آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا , يَسْتَظْهِرُ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ , وَيُحْجِجْهُ عَلَى كِتَابِهِ , أَوْ مُنْقَادًا لِأَهْلِ الْحَقِّ , لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي إِحْيَائِهِ , يَقْتَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ , بِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ , لَا ذَا , وَلَا ذَاكَ , أَوْ مَنْهُومًا بِاللَّذَّةِ سَلِسُ الْقِيَادِ لِلشَّهَوَاتِ , أَوْ فَمُغْرًى بِجَمْعِ الْأَمْوَالِ , وَالِادِّخَارِ , لَيْسَا مِنْ دُعَاةِ الدِّينِ , أَقْرَبُ شَبَهِهِمَا بِهِمَا الْأَنْعَامُ السَّائِمَةُ , كَذَلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ , اللَّهُمَّ بَلَى , لَنْ تَخْلُوَ الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ , لِكَيْ لَا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَبَيِّنَاتُهُ , أُولَئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَدًا الْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْرًا , بِهِمْ يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْ حُجَجِهِ , حَتَّى يُؤَدُّوهَا إِلَى نُظَرَائِهِمْ , وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ , هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ , فَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَ مِنْهُ الْمُتْرَفُونَ , وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ , وَصَاحَبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانَ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحْمَلِ الْأَعْلَى , هَاهَا شَوْقًا إِلَى رُؤْيَتِهِمْ , وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكَ , إِذَا شِئْتَ فَقُمْ " ⦗١٨٤⦘ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحْسَنِ الْأَحَادِيثِ مَعْنًى , وَأَشْرَفِهَا لَفْظًا , وَتَقْسِيمُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ النَّاسَ فِي أَوَّلِهِ تَقْسِيمٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , وَنِهَايَةِ السَّدَادِ , لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مَعَ كَمَالِ الْعَقْلِ وَإِزَاحَةِ الْعِلَلِ , إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُغْفِلًا لِلْعِلْمِ وَطَلَبِهِ , لَيْسَ بِعَالِمٍ وَلَا طَالِبٍ لَهُ فَالْعَالِمُ الرَّبَّانِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا زِيَادَةَ عَلَى فَضْلِهِ لِفَاضِلٍ , وَلَا مَنْزِلَةَ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ لِمُجْتَهِدٍ , وَقَدْ دَخَلَ فِي الْوَصْفِ لَهُ بِأَنَّهُ رَبَّانِيٌّ وَصْفُهُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا الْعِلْمُ لِأَهْلِهِ , وَيَمْنَعُ وَصْفَهُ بِمَا خَالَفَهَا , وَمَعْنَى الرَّبَّانِيِّ فِي اللُّغَةِ: الرَّفِيعُ الدَّرَجَةِ فِي الْعِلْمِ , الْعَالِي الْمَنْزِلَةِ فِيهِ , وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} [المائدة: ٦٣] وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: ٧٩]

<<  <  ج: ص:  >  >>