للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنا أَبُو سَعِيدٍ , مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ , نا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ , نا أَبُو هِلَالٍ , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ: «كَلَامُ اللَّهِ يَنْسَخُ بَعْضُهُ بَعْضًا , وَكَلَامُ الرِّجَالِ أَحَقُّ أَنْ يَنْسَخَ بَعْضُهُ بَعْضًا» النَّسْخُ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ , وَقَالَتِ الْيَهُودُ: لَا يَجُوزُ , وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ شِرْذِمَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ , وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ فِي قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ , وَعَلَى قَوْلُ بَعْضِهِمُ التَّكْلِيفُ عَلَى سَبِيلِ الْمَصْلَحَةِ , فَإِنْ كَانَ إِلَى مَشِيئَتِهِ تَعَالَى , فَيَجُوزُ أَنْ يَشَاءَ فِي وَقْتِ تَكْلِيفِ فَرْضٍ , وَفِي وَقْتِ إِسْقَاطِهِ , وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمَصْلَحَةِ , فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ فِي وَقْتٍ فِي أَمْرٍ , وَفِي وَقْتٍ آخَرَ فِي غَيْرِهِ , فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ مِنْهُ وَنَسْخُ الْفِعْلِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ يَجُوزُ , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَدَاءٍ , وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذِبْحِ ابْنِهِ ثُمَّ نَسَخَهُ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ , فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ وَالْبَدَاءُ: هُوَ ظُهُورُ مَا كَانَ خَفِيًّا عَنْهُ , وَلَيْسَ فِي النَّسْخِ قَبْلَ الْوَقْتِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَيَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ , كَمَا يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ , الْآحَادِ بِالْآحَادِ , وَالتَّوَاتُرَ بِالتَّوَاتُرِ فَأَمَّا نَسْخُ التَّوَاتُرَ بِالْآحَادِ فَلَا يَجُوزُ , لِأَنَّ التَّوَاتُرَ يُوجِبُ الْعِلْمَ , فَلَا يَجُوزُ نَسْخُهُ بِمَا يُوجِبُ الظَّنَّ وَيَجُوزُ نَسْخُ الْقَوْلِ بِالْقَوْلِ , وَنَسْخُ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ , وَنَسْخُ الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ , وَنَسْخُ الْقَوْلِ بِالْفِعْلِ , لِأَنَّ الْفِعْلَ كَالْقَوْلِ فِي الْبَيَانِ , فَكَمَا جَازَ النَّسْخُ بِالْقَوْلِ جَازَ بِالْفِعْلِ وَيَجُوزُ النَّسْخُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ , لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النُّطْقُ , وَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِالْإِجْمَاعِ , لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ حَادِثٌ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْسَخَ مَا تَقَرَّرَ فِي شَرْعِهِ , وَلَكِنْ يُسْتَدَلُّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى النَّسْخِ , فَإِذَا رَأَيْنَاهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ دَلَّنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِالْقِيَاسِ: لِأَنَّ الْقِيَاسَ إِنَّمَا يَصِحُّ , إِذَا لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ , فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ نَصٌّ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ حُكْمٌ , فَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِأَدِلَّةِ الْعَقْلِ: لِأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ ضِرْبَانِ: ضِرْبٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَدَّ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِ , فَلَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُ الشَّرْعِ بِهِ وَضَرْبٌ يَجُوزُ أَنْ يُرَدَّ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِ وَالْبَقَاءِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ , وَذَلِكَ إِنَّمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْعِ , فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْعُ , بَطُلَتْ دَلَالَتُهُ , فَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>