أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ دَوَسْتِ الْبَزَّازُ , أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الصَّفَّارُ , نا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ , نا أَبُو الْيَمَانِ , أنا شُعَيْبٌ , نا أَبُو الزِّنَادِ , أَنَّ الْأَعْرَجَ , حَدَّثَهُ , أَنَّهُ , سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ , أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ , فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا , فَقَالَتْ: هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا , إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ , وَقَالَتِ الْأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ , فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ , فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى , فَخَرَجَتَا إِلَى سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَخْبَرَتَاهُ , فَقَالَ: إِيْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا , فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا , فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ إِلَّا يَوْمَئِذٍ , وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلَّا الْمُدْيَةَ ⦗٤٨٥⦘ قُلْتُ: إِنَّمَا قَالَتِ الصُّغْرَى هُوَ ابْنُ الْكُبْرَى إِشْفَاقًا عَلَى الطِّفْلِ أَنْ يُقْتَلَ , وَكَانَ وَلَدَهَا فَأَدْرَكَتْهَا الرِّقَةُ عَلَيْهِ , فَقَضَى بِهِ سُلَيْمَانُ لَهَا , وَقَالَ لِلْكُبْرَى: لَوْ كَانَ ابْنُكِ لَمْ تَطِبْ نَفْسُكِ بِشِقِّهِ وَفَى هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ أَنَّ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ لَمْ يَحْكُمَا إِلَّا مِنْ جِهَةِ الِاجْتِهَادِ , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا حَكَمَ بِهِ دَاوُدُ نَصًّا , لَمْ يَسَعْ سُلَيْمَانَ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِهِ , وَلَوْ كَانَ مَا حَكَمَ بِهِ سُلَيْمَانُ أَيْضًا نَصًّا , لَمْ يَخْفَ عَلَى دَاوُدَ وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ , لِأَنَّ سُلَيْمَانَ لَوْ وَجَدَ مَسَاغًا أَنْ لَا يَنْقُضَ عَلَى دَاوُدَ حُكْمَهُ لَفَعَلَ , وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ دَاوُدُ , أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ لَمَّا تَسَاوَتَا فِي الْيَدِ , وَلِإِحْدَاهُمَا فَضْلُ السِّنِّ قَدَّمَهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ , وَذَهَبَ سُلَيْمَانُ إِلَى أَنَّ سِنَّهَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ لَهَا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَجْمَعَ أَهْلُ النَّقْلِ عَلَى ثُبُوتِهِ وَصِحَّتِهِ , وَذَهَبَ خَلْقٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ , يَجِبُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ , إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ فِي شَرِيعَتِنَا مَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ , وَالْإِجْمَاعُ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِنَا قَدْ حَصَلَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْكَمَ بِمِثْلِهِ فِي شَرِيعَتِنَا , فَتَرَكْنَاهُ لِلْإِجْمَاعِ , وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَنْ حُكْمِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ فِي الْحَرْثِ لَمَّا نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ , وَأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْحُكُومَةِ , وَقِصَّتُهَا فِي ذَلِكَ شَبِيهُ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي سُقْنَاهُ آنِفًا , وَأَنَّ حُكْمَهُمَا كَانَ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ , دُونَ النَّصِّ وَالتَّوْقِيفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ