للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْمُعَدِّلُ , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ , نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , نا شُعْبَةُ , قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَرِيبًا , أَوْ نَحْوًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ , قَالَ: فَقُلْتُ مَا يَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا قَدْ سَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ , قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ , فَقَالَ: سَأَلْنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ , فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ , وَرُبَّ حَامِلٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» فَأَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ يَحْمِلُ الْحَدِيثَ مَنْ يَكُونُ لَهُ حَافِظًا , وَلَا يَكُونُ فِيهِ فَقِيهًا , وَأَكْثَرُ كَتَبَةِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَعِيدٌ مِنْ حِفْظِهِ , خَالٍ مِنْ مَعْرِفَةِ فِقْهِهِ , لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مُعَلِّلٍ وَصَحِيحٍ , وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ مُعَدَّلٍ مِنَ الرُّوَاةِ وَمَجْرُوحٍ , وَلَا يَسْأَلُونَ عَنْ لَفْظٍ أَشْكَلً عَلَيْهِمْ رَسْمُهُ , وَلَا يَبْحَثُونَ عَنْ مَعْنًى خَفِيٍّ عَنْهُمْ عِلْمُهُ , مَعَ أَنَّهُمْ قَدِ أَذْهَبُوا فِي كُتُبِهِ أَعْمَارَهُمْ , وَبَعُدَتْ فِي الرِّحْلَةِ لِسَمَاعِهِ أَسْفَارُهُمْ , فَجَعَلُوا لِأَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ , وَلِمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الرَّأْيُ مِنَ الْمُتَفَقِّهِينَ طَرِيقًا إِلَى الطَّعْنِ عَلَى أَهْلِ الْآثَارِ , وَمَنْ شَغَلَ وَقْتَهُ بِسَمَاعِ الْأَحَادِيثِ وَالْأَخْبَارِ , حَتَّى وَصَفُوهُمْ بِضُرُوبٍ الْجَهَالَاتِ , وَنَبَرُوهُمْ بِأَسْوَإِ الْمَقَالَاتِ , وَأَطْلَقُوا أَلْسِنَتَهُمْ بِسَبِّهِمْ , وَتَظَاهَرُوا بِعَيْبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَثَلْبِهِمْ , وَضَرَبُوا لَهُمُ الْمَثَلَ , بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

[البحر الطويل]

زَوَامِلُ لِلْأَسْفَارِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ ... بِجَيِّدِهَا إِلَّا كَعِلْمِ الْأَبَاعِرِ

لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي الْمَطِيُّ إِذَا غَدَا ... بِأَحْمَالِهِ أَوْ رَاحَ مَا فِي الْغَرَائِرِ

⦗١٤١⦘

كُلُّ ذَلِكَ لِقِلَّةِ بَصِيرَةِ أَهْلِ زَمَانِنَا بِمَا جَمَعُوهُ , وَعَدَمِ فِقْهِهِمْ بِمَا كَتَبُوهُ وَسَمَعُوهُ , وَمَنْعِهِمْ نُفُوسَهُمْ عَنْ مُحَاضَرَةِ الْفُقَهَاءِ , وَذَمِّهِمْ مُسْتَعْمِلِي الْقِيَاسِ مِنَ الْعُلَمَاءِ , لِسَمَاعِهِمُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي ذَمِّ الرَّأْيِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ , وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ , وَأَنَّهُمْ لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ مَحْمُودِ الرَّأْيِ وَمَذْمُومِهِ , بَلْ سَبَقَ إِلَى نُفُوسِهِمْ أَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَى عُمُومِهِ , ثُمَّ قَلَّدُوا مُسْتَعْمِلِي الرَّأْيِ فِي نَوَازِلِهِمْ , وَعَوَّلُوا فِيهَا عَلَى أَقْوَالِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ , فَنَقَضُوا بِذَلِكَ مَا أَصَّلُوهُ وَاسْتَحَلُّوا مَا كَانُوا حَرَّمُوهُ , وَحَقَّ لِمَنْ كَانَتْ حَالُهُ هَذِهِ أَنْ يُطْلَقَ فِيهِ الْقَوْلُ الْفَظِيعُ , وَيُشَنَّعُ عَلَيْهِ بِضُرُوبِ التَّشْنِيعِ , فَأَبْلَغَ مِنِّي مَا ذَكَرْتُهُ اغْتِمَامًا , وَأَثَّرَ فِي مَعْرِفَتِي بِهِ اهْتِمَامَا لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَصْدُ مَنْ ذَكَرْتُ بِكِبَرِ الْوَقِيعَةِ , مُتَقَدِّمِي أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ , الْقَائِمِينَ بِحِفْظِ الشَّرِيعَةِ , لِأَنَّهُمْ رَأْسُ مَالِي , وَإِلَى عِلْمِهِمْ مَآلِي , وَبِهِمْ فَخْرِي وَجَمَالِي , نَحْوَ: مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيٌّ , وشُعْبَةُ , وَالثَّوْرِيُّ , وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ , وَابْنُ مَهْدِيٍّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ , وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ الْأَمِينُ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَابْنُ مَعِينٍ , وَمَنْ خَلَفَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ , عَلَى مُضِيِّ الْأَوْقَاتِ وَكُرُورِ الْأَيَّامِ , فَبِهِمْ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ أَكْبَرُ الْفَخْرِ , لَا بِنَاقِلِيهِ وَحَامِلِيهِ فِي هَذَا الْعَصْرِ كَمَا أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدُ اللَّهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّورِيُّ , قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو يَعْلَى: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ لِنَفْسِهِ:

[البحر الكامل]

أَهْلُ التَّصَوُّفِ أَهْلِي وَهُمْ جَمَالِي وَنُبْلِي ... وَلَسْتُ أَعْنِي بِهَذَا إِلَّا لِمَنْ كَانَ قَبْلِي

⦗١٤٢⦘

وَالْأَمْرُ الْآخَرُ: ازْدِرَاؤُهُمْ بِمَنْ فِي وَقْتِنَا , وَالْمُتَوَسِّمِينَ بِالْحَدِيثِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا , فَإِنَّ لَهُمْ حُرْمَةً تُرْعَى , وَحَقًّا يَجِبُ أَنْ يُؤَدَّى لِتَحَرُّمِهِمْ بِسَمَاعِهِ وَاكْتِتَابِهِ , وَتَشَبُّهِهِمْ بِأَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ , وَقَدْ دَلَّتْنَا الشَّرِيعَةُ عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُمْ , وَأَذِنَتْ لَنَا فِي الْأَخْذِ عَنْهُمْ , وَوَرَدَ بِذَلِكَ مَأْثُورُ الْأَثَرِ عَنْ سَيِّدِ الْبَشَرِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَقَرَّ بِالزُّلْفَةِ عَيْنَيْهِ فِي قَوْلِهِ نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ إِلَى آخِرِ الْكَلَامِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>