للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «أَلِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا تَوْبَةٌ؟» قَالَ: «لَا إِلَّا النَّارَ» قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبَ قَالَ لَهُ جُلَسَاؤُهُ أَهَكَذَا كُنْتَ تُفْتِينَا كُنْتَ تُفْتِينَا أَنَّ لِمَنْ قَتَلَ تَوْبَةً مَقْبُولَةً قَالَ: «إِنِّي لَأَحْسِبُهُ رَجُلًا مُغْضَبًا يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا قَالَ فَبَعَثُوا فِي أَثَرِهِ فَوَجَدُوهُ كَذَلِكَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ حُجَجُهُمْ ظَاهِرَةٌ مِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ} [طه: ٨٢] {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: ٢٥] وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْأَخْبَارَ لَا يَقَعُ فِيهَا نَسْخٌ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنِ، ابْنِ عَبَّاسٍ، أَيْضًا فَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ يَعْنِي الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ وَعَنْهُ نَسَخَتْهَا الَّتِي فِي النِّسَاءِ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَى نَسَخَتْهَا نَزَلَتْ بِنُسْخَتِهَا ⦗٣٥٠⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَيْسَ يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ نَزَلَتْ بَعْدَ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ كَمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدٍ أَنَّ الَّتِيَ فِي الْفُرْقَانِ نَزَلَتْ بَعْدَهَا أَوْ يَكُونُ هَذَا وَتَكُونُ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ نَزَلَتْ بَعْدَهَا أَوْ تَكُونَا نَزَلَتَا مَعًا وَلَيْسَ ثَمَّ قِسْمٌ رَابِعٌ فَإِنْ كَانَتِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ نَزَلَتْ بَعْدَ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ فَهِيَ مُبَيِّنَةٌ عَلَيْهَا كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: ٧٢] مَبْنِيٌّ عَلَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] وَإِنْ كَانَتِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ نَزَلَتْ بَعْدَ الَّتِي فِي النِّسَاءِ فَهِيَ مُبَيِّنَةٌ لَهَا فَإِنْ كَانَتَا نَزَلَتَا مَعًا فَإِحْدَاهُمَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْأُخْرَى وَهَذَا بَابٌ مِنَ النَّظَرِ إِذَا تَدَبَّرْتَهُ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا مَدْفَعَ لَهُ مَعَ مَا يُقَوِّي ذَلِكَ مِنَ الْمُحْكَمِ الَّذِي لَا يُنَازَعُ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ {وَإِنِّي لِغِفَارَ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ} [طه: ٨٢] وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ فَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ أَيْضًا يَقُولُ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذَا إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْ مَعْنَى هَذَا ⦗٣٥١⦘ وَأَمَّا الْقَوْلُ الرَّابِعُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مِجْلَزٍ إِنَّ الْمَعْنَى إِنْ جَازَاهُ فَالْغَلَطُ فِيهِ بَيِّنٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا} [الكهف: ١٠٦] وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مَعْنَاهُ إِنْ جَازَاهُمْ وَهُوَ خَطَأٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّ بَعْدَهُ {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [النساء: ٩٣] وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَى جَازَاهُ وَأَمَّا الْقَوْلُ الْخَامِسُ إِنَّ الْمَعْنَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: ٩٣] مُسْتَحِلًّا لِقَتْلِهِ فَغَلَطٌ لِأَنَّ مَنْ عَامٌّ لَا يُخَصُّ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ أَوْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُقَالُ إِنَّهُ قَوْلُ عِكْرِمَةَ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ثُمَّ ارْتَدَّ ⦗٣٥٢⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَهَذِهِ عَشْرُ آيَاتٍ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَرَأَيْتُ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَدْ ذَكَرَ آيَةً سِوَى هَذِهِ الْعَشَرِ وَهِيَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا لَمْ أُفْرِدْ لَهَا بَابًا لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدِي أَنَّهَا نَاسِخَةٌ وَلَا مَنْسُوخَةٌ وَلَا ذَكَرَهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَيْنِكَ فَنَذْكُرُ قَوْلَهُ وَلَيْسَ يَخْلُو أَمْرُهَا مِنْ إِحْدَى ثَلَاثِ جِهَاتٍ لَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ نَسْخٌ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِيَ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ يَحْتَجُّ بِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ قَالَ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] قَالَ فَكَانَ فِي هَذَا مَنْعٌ مِنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ إِلَّا فِي الْخَوْفِ ثُمَّ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَصَرَ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ آمِنٌ مَا كَانَ النَّاسُ فِي السَّفَرِ، فَجَعَلَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسِخًا لِلْآيَةِ وَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَنْعٌ لِلْقَصْرِ فِي الْأَمْنِ وَإِنَّمَا فِيهَا إِبَاحَةُ الْقَصْرِ فِي الْخَوْفِ فَقَطْ وَالْجِهَاتُ الَّتِي فِيهَا عَنِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُنَّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ حُدُودِهَا فِي حَالِ الْخَوْفِ وَذَلِكَ تَرْكُ إِقَامَةِ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَأَدَاؤهَا كَيْفَ أَمْكَنَ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَمُسْتَدْبِرَهَا وَمَاشِيًا وَرَاكِبًا فِي حَالِ الْحَرْبِ وَهِيَ حَالُ الْخَوْفِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: ٢٣٩] وَهَكَذَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهَذَا قَوْلٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ ⦗٣٥٣⦘ بِأَنَّ بَعْدَهُ {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء: ١٠٣] فَإِقَامَتُهَا إِتْمَامُ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَسَائِرِ فَرَائِضِهَا وَتَرْكُ إِقَامَتِهَا فِي غَيْرِ الطُّمَأْنِينَةِ هُوَ تَرْكُ إِقَامَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَمِنَ الْجِهَاتِ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَالُوا: قَصْرُ صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ لَيْسَ بِقَصْرٍ لِأَنَّ فَرْضَهَا رَكْعَتَانِ وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ: فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيٍنِ ثُمَّ أَتَمَّتْ صَلَاةَ الْمُقِيمِ وَأَقَرَّتْ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ بِحَالِهَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ⦗٣٥٤⦘، وَمِمَّنْ قَالَ صَلَاةُ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ حُذَيْفَةُ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ

<<  <   >  >>