وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} [المائدة: ٢] " كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُعَظِّمُونَ أَمْرَ الْحَجِّ وَيَهْدُونَ الْهَدَايَا إِلَى الْبَيْتِ وَيُعَظِّمُونَ حُرْمَتَهُ فَأَرَادَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} [المائدة: ٢] " فَهَذَا عَلَى تَأْوِيلِ النَّسْخِ فِي الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ بِإِبَاحَةِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَنَعَهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَأَمَّا مُجَاهِدٌ فَقَالَ لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا إِلَّا الْقَلَائِدُ كَانَ الرَّجُلُ يَتَقَلَّدُ بشَيْءٍ مِنْ لِحَا الْحَرَمِ فَلَا يُقْرَبُ فَنُسِخَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي مَيْسَرَةَ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ ⦗٣٦١⦘ وَأَمَّا عَطَاءٌ فَقَالَ: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} [المائدة: ٢] أَيْ لَا تَتَعَرَّضُوا مَا يُسْخِطُهُ وَاتَّبِعُوا طَاعَتَهُ وَاجْتَنِبُوا مَعَاصِيَهُ، فَهَذَا لَا نَسْخَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ لِأَنَّ وَاحِدَ الشَّعَائِرِ شَعِيرَةٌ مِنْ شَعَرْتُ بِهِ أَيْ عَلِمْتُ بِهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا تُحِلُّوا مَعَالِمَ اللَّهِ وَهِيَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ وَمَا أَعْلَمَهُ النَّاسَ فَلَا تُخَالِفُوهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ، ابْنِ عَبَّاسٍ الْهَدْيُ، مَا لَمْ يُقَلَّدْ وَقَدْ عَزَمَ صَاحِبُهُ عَلَى أَنْ يَهْدِيَهُ وَالْقَلَائِدُ مَا قُلِّدَ، فَأَمَّا الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ فَتَأَوَّلَ مَعْنَى وَلَا الْقَلَائِدَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ فَيَتَقَلَّدُوهُ وَهُذَا قَوْلٌ شَاذٌّ بَعِيدٌ وَقَوْلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ إِنَّهُمْ نُهُوا أَنْ يُحِلُّوا مَا قُلِّدَ فَيَأْخُذُوهُ وَيُغْصِبُوهُ فَمَنْ قَالَ مَنْسُوخٌ فَحُجَّتُهُ بَيِّنَةٌ أَنَّ الْمُشْرِكَ حَلَالُ الدَّمِ وَإِنْ تَقَلَّدَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَهَذَا بَيِّنٌ جِدًّا وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ قَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} [المائدة: ٢] قَالَ ⦗٣٦٢⦘ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ «هَذَا كُلُّهُ مَنْسُوخٌ نَسَخَهُ الْجِهَادُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ذَهَبَ ابْنُ زَيْدٍ إِلَى أَنَّهُ لَمَّا جَازَ قِتَالُهُمْ لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ جَازَ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِمْ وَيَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً فَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مُجَاهِدٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ بِذَحْلٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَهْلُ التَّأْوِيلِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى لَا يَحْمِلَنَّكُمْ إِبْغَاضُ قَوْمٍ لَأَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ تَعْتَدُوا لِأَنَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ نَزَلَتْ بَعْدَ يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْبَيِّنُ عَلَىهَذَا أَنْ تَقْرَأَ {أَنْ صَدُّوكُمْ} [المائدة: ٢] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ قَدْ تَقَدَّمَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute