للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَكَمِ الْحِبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ صُبَيحٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَمْ أَنَا سَلَمٌ لِمَنْ سَالَمْتُمْ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ» أَفَلَا تَرَى قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ لَيْسَ بِكَافِرٍ وَتَسْمِيَتَهُ إِيَّاهُ مُحَارِبًا وَقَدْ رَدَّ أَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْآيَةَ فِي الْمُشْرِكِينَ بِأَشْيَاءَ بَيِّنَةٍ ⦗٣٨٨⦘ قَالَ قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكَ إِذَا فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ شَيْءٍ مِنْ حُدُودِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] فَهَذَا كَلَامٌ بَيِّنٌ حَسَنٌ وَقَالَ غَيْرُهُ لَوْ كَانَتِ الْآيَةُ فِي الْمُشْرِكِينَ لَوَجَبَ فِي أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ عَامَّةً عَلَى ظَاهِرِهَا إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خَارِجٍ مِنْهَا فَيَخْرُجُ بِالدَّلِيلِ فَقَدْ دَلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ خَارِجُونَ مِنْهَا فَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ لَزِمَهُ اسْمُ الْمُحَارَبَةِ أَيَكُونُ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا فِيهِ أَمْ تَكُونُ عُقُوبَتُهُ عَلَى قَدْرِ جِنَايَتِهِ فَقَالَ قَوْمٌ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ يَجْتَهِدُ وَيَنْظُرُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمِمَّنْ قَالَ هَذَا مِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ ⦗٣٨٩⦘ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكُ وَمِمَّنْ قَالَ الْعُقُوبَةُ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ وَلَيْسَ إِلَى الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ خِيَارٌ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ عَنْ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَجَّاجُ وَعَطِيَّةُ لَيْسَا بِذَاكَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَالَ بِهَذَا مِنَ الْفُقَهَاءِ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ ⦗٣٩٠⦘ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، سُفْيَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي التَّرْتِيبِ فِي أَكْثَرِ الْآيَةِ فَمَا عَلِمْتُ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا إِلَّا فِيمَنْ خَرَجَ فَقَتَلَ فَإِنَّ أَصْحَابَ التَّرْتِيبِ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَهُمْ فَأَمَّا أَصْحَابُ التَّخْيِيرِ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ فَحُجَّتُهُمْ ظَاهَرُ الْآيَةِ وَأَنَّ أَوْ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَذَا مَعْنَاهَا إِذَا قُلْتَ خُذْ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا وَرَأَيْتُ زَيْدًا، أَوْ عَمْرًا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: ٨٩] وَكَذَا {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ أَنَّ هَذَا عَلَى التَّخْيِيرِ وَكَذَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مَرْدُودٌ إِلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَإِلَى لُغَةِ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بَلَغَتْهُمْ فَعَارَضَهُمْ مَنْ يَقُولُ بِالتَّرْتِيبِ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» فَعَارَضَهُمُ الْآخَرُونَ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا أَنَّ الْمُحَارِبُ مُضْمُومٌ إِلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَمَا ضَمَمْتُمْ إِلَيْهَا أَشْيَاءَ لَيْسَتْ كُفْرًا وَكَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ، فَضَمَمْتُمْ إِلَيْهَا تَحْرِيمَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ ⦗٣٩١⦘ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ لْآيَةِ الْمُحَارِبَةَ حُكْمًا آخَرَ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْمُحَارِبِ لَيْسَ إِلَى الْوَلِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ إِلَى الْإِمَامِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَدْ رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرَ الْمُحَارِبِ

<<  <   >  >>