للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَمَا قُرِئَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّقْرِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَصْحَابُنَا، مَنْصُورٌ، وَغَيْرُهُ عَنِ الْحُكْمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩] قَالَ: " نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي قَبْلَهَا {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} وَهَذَا أَيْضًا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالسُّدِّيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ وَلَا خِيَارَ لَهُ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الِاحْتِجَاجَاتِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْنَى {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] أَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ أَلَّا يُرَدُّوا إِلَى حُكَّامِهِمْ فَإِذَا وَجَبَ هَذَا فَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ أَبِي حَنِيفَةَ وزُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ إِذَا تَحَاكَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ إِلَى الْإِمَامِ، أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ إِذَا جَاءَتِ الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ فَإِنْ جَاءَتِ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا وَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ لَمْ يَحْكُمْ وَقَالَ الْبَاقُونَ: بَلْ يَحْكُمُ ⦗٣٩٩⦘ فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ مَعَ مَا صَحَّ فِيهَا مِنْ تَوْقِيفِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَكَانَ النَّظَرُ يُوجِبُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا جَمِيعًا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَى الْإِمَامِ فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ بَيْنَهُمْ وَأَنَّهُ إِذَا نَظَرَ بَيْنَهُمْ مُصِيبٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَالْوَاجِبُ أَنْ يَنْظُرَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ مُصِيبٌ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ وَأَلَّا يُعْرِضَ عَنْهُمْ فَيَكُونُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ تَارِكًا فَرْضًا فَاعِلًا مَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَلَا يَسَعُهُ وَلِمَنْ قَالَ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ قَوْلٌ آخِرُ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ عَلَى الْإِمَامِ إِذَا عَلِمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ أَنْ يُقِيمَهُ وَإِنْ لَمْ ⦗٤٠٠⦘ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ، وَيَحْتَجُّ بِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} [المائدة: ٤٩] يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْكَ، وَالْآخَرُ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْكَ إِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، قَالُوا: فَوَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُوجِبُ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْنَا فَأَمَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: ١٣٥] وَأَمَّا مَا فِي السُّنَّةِ فَحَدِيثُ الْبَرَاءِ

<<  <   >  >>