كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلَكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: ٥٢] قَالَ: «إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَالتَّأْوِيلُ عَلَى: أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي سِرِّهِ وَخَاطِرِهِ مَا يُوهِمُهُ بِهِ أَنَّهُ الصَّوَابُ ثُمَّ يُنَبِّهُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عَلَيهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَائِةَ مَرَّةً» ⦗٥٧٤⦘ وَفِي السِّيَرِ أَنَّ كُبَرَاءَ قُرَيْشٍ جَاءُوهُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ قَدِ اسْتَغْوَيْتَ ضُعَفَاءَنَا وَسُفَهَاءَنَا وَذَلِكَ حِينَ أَظْهَرَ دَعْوَتَهُ وَتَبَيَّنَتْ بَرَاهِينُهُ فَأَمْسِكْ عَنَّا حَتَّى نَنْظُرَ فِي أَمْرِكَ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَنَا اتَّبَعْنَاكَ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَنَا كُنْتَ عَلَى أَمْرِكَ وَنَحْنُ عَلَى أَمْرِنَا فَوَقَعَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا إِنْصَافٌ ثُمَّ نَبَّهَهُ اللَّهُ بِالْخَاطِرِ وَالتَّذَكُّرِ لِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ إِظْهَارِ الدَّعْوَةِ وَأَنْ يَصْدَعَ بِمَا أُمِرَ بِهِ ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: ٧٤] وَمَا بَعْدَهُ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ أَيْ فِي سِرِّهِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ «فِي أُمْنِيَّتِهِ فِي قِرَاءَتِهِ» وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ وَقَالَ الضَّحَّاكُ: «الْأُمْنِيَّةُ التِّلَاوَةُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ مِنْهُ {لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} ⦗٥٧٥⦘[البقرة: ٧٨] فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي تِلَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا شَيْطَانًا مِنَ الْإِنْسِ وَإِمَّا شَيْطَانًا مِنَ الْجِنِّ وَمُتَعَارَفٌ فِي الْآثَارِ أَنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ يَظْهَرُ كَثِيرًا فِي وَقْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَالَى {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: ٤٨] فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ هَذَا فِي تِلَاوَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ ظَاهَرَ الْقُرْآنِ كَذَا وَأَنَّ الثِّقَاتَ مِنْ أَصْحَابِ السِّيَرِ كَذَا يَرْوُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute