كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي ⦗٥٩٨⦘ طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: ٢٩] " فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ نَهَانَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَإِنَّ الطَّعَامَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَمْوَالِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنَّا أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ فَكَفَّ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} [النور: ٦١] إِلَى {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} [النور: ٦١] قَالَ هُوَ الرَّجُلُ يُؤَكِّلُ الرَّجُلَ بِضَيْعَتِهِ وَالَّذِي رَخَّصَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ وَالتَّمْرَ وَيَشْرَبَ اللَّبَنَ " فَذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَى أَنَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْإِذْنِ لِأَنَّ النَّاسَ تَوَقَّفُوا أَنْ يَأْكُلُوا لِأَحَدٍ شَيْئًا إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ تِجَارَةٍ أَوْ عِوَضٌ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ فَأَبَاحَ اللَّهُ ذلِكَ إِذَا أَذِنَ فِيهِ صَاحِبُهُ وَتَأَوَّلَهُ غَيْرُهُ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُطْلِقْ ذَلِكَ صَاحِبُهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يَمْنَعُهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ الْإِذْنِ وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى {أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: ٦١] لِأَنَّ مَنْزِلَ الرَّجُلِ قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَا لَيْسَ لَهُ وَمَا يَكُونُ لِأَهْلِهِ {أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} [النور: ٦١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَلَمْ يَذْكُرِ الِابْنَ فِيهَا فَتَأَوَّلَ هَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْزِلَ ابْنِهِ وَمَنْزِلَهُ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ ⦗٥٩٩⦘ وَعَارَضَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ هَذَا تَحَكُّمٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بَلِ الْأَوْلَى فِي الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ مُخَالِفًا لِهَؤُلَاءِ وَلَيْسَ الِاحْتِجَاجُ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» بِقَوِيٍّ لَوَهَاءِ هَذَا الْحَدِيثُ وَأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ إِذْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّ مَالَ ذَلِكَ الْمُخَاطَبِ لِأَبِيهِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَعْنَاهُ أَنْتَ لِأَبِيكَ وَمَالُكَ مُبْتَدَأٌ أَيْ وَمَالُكَ لَكَ وَالْقَاطِعُ لِهَذَا التَّوَارُثِ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِمَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَكْلِ مَعَ الْأَعْمَى وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ مِقْسَمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute