قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: ٨] قَالَ: " نَسَخَهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمُ} [التوبة: ٥]
⦗٧١٢⦘ " وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَوْلُ مُجَاهِدٍ قَالَ: « {وَالَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الَّذِينَ آمَنُوا وَأَقَامُوا بِمَكَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرُوا» وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: «هُمْ خُزَاعَةُ» وَقَالَ الْحَسَنُ: «هُمْ خُزَاعَةُ وَبَنُو الْحَارِثِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ» {أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: ٨] قَالَ: تُوَفُّوا لَهُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إِنَّهَا عَامَّةٌ مُحْكَمَةٌ قَوْلٌ حَسَنٌ بَيِّنٌ وَفِيهِ أَرْبَعُ حُجَجٍ مِنْهَا: أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ مَطْعُونٌ فِيهَا،؛ لِأَنَّ قَوْلَ قَتَادَةَ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَدْ رُدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَيْسَ بِمَحْظُورٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] لَيْسَ بِعَامٍّ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ وَلَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ كَمَا قَالَ قَتَادَةُ وَإِنَّمَا هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] ثُمَّ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا فَصَارَتِ الْآيَةُ لِبَعْضِ السُّرَّاقِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤهُ فَكَذَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] قَدْ خَرَجَ أَهْلُ الْكِتَابِ إِنْ أَدَّوُا الْجِزْيَةَ، وَخَرَجَ مِنْهُ الرَّسُولُ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ أَبُو وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَافَاهُ رَسُولَانِ مِنْ مُسَيْلِمَةَ فَقَالَ لَهُمَا: «أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» فَقَالَا ⦗٧١٣⦘: أَتَشْهَدُ أَنْتَ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ لَوْلَا أَنَّ الرَّسُولَ لَا يُقْتَلُ لَقَتَلْتُكُمَا» وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الْعَسِيفِ " فَهَذَا كُلُّهُ خَارِجٌ مِنَ الْآيَةِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] عَلَى مَا أُمِرْتُمْ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَا أُمِرْنَا بِهِ مِنَ الْإِقْسَاطِ إِلَيْهِمْ وَهُوَ الْعَدْلُ فِيهِمْ، وَمِنْ بِرِّهِمْ أَيِ: الْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ بِوَعْظِهِمْ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْإِحْسَانِ ثَابِتًا، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعُ الْعُلَمَاءُ: أَنَّ الْعَدُوَّ إِذَا بَعُدَ وَجَبَ أَنْ لَا يُقَاتَلَ حَتَّى يُدْعَى وَيُعْرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَهَذَا مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَالْعَدْلِ فِيهِمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ، عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَزَا قَوْمًا إِلَى بِلَادِ الرُّومِ أَمَرَهُمْ أَلَا يُقَاتِلُوا حَتَّى يَدْعُوا مَنْ عَزَمُوا عَلَى قِتَالِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ فَهَذَا قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي كُلِّ مَنْ عُزِمَ عَلَى قِتَالِهِ وَهُوَ مَرْوِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ ⦗٧١٤⦘ وَقَوْلُ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، ورَبِيعَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ: لَا يُدْعَى مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وأَحْمَدَ، وإِسْحَاقَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهَا مَخْصُوصَةٌ فِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا مَطْعُونٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: ١] وَالْكَلَامُ مُتَّصِلٌ فَلَيْسَ مَنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِرْ يَكُونُ عَدُوًّا لِلَّهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ يُرَدُّ بِهَذَا فَصَحَّ الْقَوْلُ الرَّابِعُ وَفِيهِ مِنَ الْحُجَّةِ أَيْضًا أَنَّ بِرَّ الْمُؤْمِنِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَسَبٌ أَوْ قَرَابَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ غَيْرُ مَنْهِيُّ عَنْهُ وَلَا مُحْرِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةٌ لَهُ وَلَا لِأَهْلِ دِينِهِ بِسِلَاحٍ وَلَا كُرَاعٍ وَلَا فِيهِ إِظْهَارُ عَوْرَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ تَفْسِيرَ الْآيَةِ إِذَا جَاءَ عَنْ صَحَابِيٍّ لَمْ يَسَعْ أَحَدًا مُخَالَفُتُهُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مَعَ قَوْلِهِ تَوْقِيفٌ بِسَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute