للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٧] " فَكَانَ كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَهُ هَاتَانِ الْآيَتَانِ فِي بَرَاءَةَ {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] وَالْأَشْهُرُ الْحُرُمُ عَهْدٌ كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، انْسِلَاخُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ لِمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَإِلَى انْسِلَاخِ الْمُحَرَّمِ فَأَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْسَلَخَتِ الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ أَنْ يُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذِهِ الْأَشْهُرُ الَّتِي ذَكَرَهَا قَتَادَةُ وَقَالَ: «هِيَ الْحُرُمُ هِيَ أَشْهُرُ السِّيَاحَةِ فَسَمَّاهَا حُرُمًا؛ لِأَنَّهُ حَظَرَ الْقِتَالَ فِيهَا» فَأَمَّا الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَالْعُلَمَاءُ يَخْتَلِفُونَ فِي اللَّفْظِ بِهَا فَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنْ يَقُولُ: أَوَّلُهَا ذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحَجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْدَأَ بِرَجَبٍ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ يَقُولُونَ: أَوَّلُهَا الْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحَجَّةِ، وَيُنْكِرُونَ مَا قَالَهُ الْمَدَنِيُّونَ وَقَالُوا: قَوْلُنَا أَوْلَى لِتَكُونَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَنْ قَالَ مِنَ الْمَدَنِيِّينَ: أَوَّلُهَا رَجَبٌ احْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَهَا رَجَبٌ عَلَى هَذَا ⦗١٢٤⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْأَمْرُ فِي هَذَا كُلِّهِ سَهْلٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ بَعْدَ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّحْوِيِّينَ عَلِمْتُهُ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُؤْتَى بِالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ عَلَى مَا لَفِظَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُدِّيَ عَنْهُ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ الْأَوَّلُ رَوَى أَبُو بَكْرَةَ، وَغَيْرُهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَالسَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحَجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرٍ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ قَامَتِ الْحُجَّةُ بِأَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَزَّ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: ٢١٧] مَنْسُوخٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ نَصِّ الْقُرْآنِ وَقَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّقْلَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نُقِلَ إِلَيْنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ أَوْ فِي رَجَبٍ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَدْ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ وَثَقِيفًا بِالطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ ⦗١٢٥⦘ وَذِي الْقِعْدَةِ وَذُو الْقِعْدَةِ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحَرَمِ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَهَذَا مَا فِي الْقِتَالِ وَالْجِهَادِ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَجْمُوعًا بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَى مَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ الْحَجِّ فِي الْآيَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ

<<  <   >  >>